همام(فارس الإسلام) مشرف
عدد الرسائل : 167 تاريخ التسجيل : 21/11/2007
| موضوع: ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب الجزء 4 الخميس أكتوبر 23, 2008 7:47 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم 6ـ نبوغ العالم في تخصص ما
لا يلزم منه نبوغه في جميع التخصصات
يقول الشيخ سلمان بن فهد العودة في محاضرته القيمة (تقويم رجالات الإسلام في الواقع المعاصر): "رجالات الإسلام في هذا العصر في ميادين شتى, فأنت إذا نظرت مثلاً إلى ميدان الدعوة إلى الله وجدت رجالاً عرفوا بالدعوة وأثروا في مجتمعاتهم أبلغ تأثير, ولعل من الأسماء البارزة والمشهورة أمثال الشيخ حسن البنا أو أبا الأعلى المودودي أو غيرهم من المسلمين.
وإذا نظرت إلى مجال الأدب وإذا نظرت إلى مجال الفكر وجدت أمثال الأستاذ سيد قطب ومحمد قطب وغيرهم من الكتاب المشهورين، وكذلك كتابات الشيخ أبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي وغيرهم.
وإذا نظرت إلى مجال العلم الشرعي والفقه والفتيا والحديث وجدت أيضًا علماء أفذاذ في هذه الجزيرة ـ يعني جزيرة العرب ـ وفي غيرها، ولعل من الأحياء الذين يشاد بذكرهم[1] أمثال: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في مجال الحديث والسنة، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ يعني في مجال العلم الشرعي والفقه والفتيا والحديث ـ وكذلك لا تنكر جهود آخرين من غير هذه البلاد، كما نجد بحوثًا للدكتور مصطفى الزرقا، والدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم.
وإذا نظرت إلى مجال الجهاد وجدت شخصيات بارزة في الجهاد ولعل الجهاد الأفغاني على الساحة هو أبرز ما يلفت الأنظار, فأنت تجد أمثال عبد رب الرسول سياف أو برهان الدين رباني أو حكمتيار أو من تبنوا مسألة الجهاد كعبد الله عزام ـ رحمه الله ـ وغيرهم.
وإذا نظرت أيضًا إلى مجال الخطابة والوعظ لا يغيب عن بالك أمثال عبد الحميد كشك وأحمد القطان وإبراهيم عزت، والأسماء كثيرة. أمام هذه الأسماء نتأمل نظرة شباب الصحوة الإسلامية في هذه الأسماء وكيف يقومونها وكيف ينظرون إليها نجد أن هناك ثلاث ملاحظات يجب أن توضع في الاعتبار).
وذكر ثلاث ملاحظات؛ منها اثنتان تتعلقان بالقاعدة السابقة, والثالثة هي المقصودة, فقال: (الملاحظة الأولى: هي ضرورة الاعتدال في تقويم الأشخاص, فليس واحد منهم ولا من غيرهم إلا وفيه نقص, وليس من العدل أن تعنى ببيان المثالب وجوانب العيب والنقص الموجودة فيهم وتغفل عن الفضائل والحسنات الموجودة فيهم.
على سبيل المثال لو نظرنا إلى شخصية الشيخ الألباني في هذا العصر لوجدنا أن للشيخ جهودًا كبيرة في خدمة السنة النبوية وتقريبها بين أيدي الناس وتنقيتها من الشوائب: من الأحاديث الموضوعة والضعيفة وغيرها، وكتبه لا تخلو منها مكتبة، فللرجل جهود تذكر فتشكر, فضلاً عن جهوده في نشر السنة العملية بين الناس وتربية الشباب عليها, وهذا عمل لا شك أنه عمل مشكور. كثير من الناس يتجاهلون هذه الجوانب الإيجابية في شخصية الشيخ وينظرون نظرة ناقصة إلى بعض الأخطاء التي لا يخلو منها بشر، مثلاً ينظرون إلى جانب الحدة في الشيخ, وكون الشيخ حادًّا حين يقوّم الأشخاص والأعمال والكتب, فهو في مقدمة كثير من كتبه قد يتناول بعض ما صدر من كتب أو تحقيقات ويعلق عليها تعليقات قد تكون شديدة اللهجة.
صحيح أن الأولى أن تكون هذه التعليقات والتعقبات بأسلوب أكثر هدوءًا وأكثر لطافة, لكن لماذا يبرز هذا العيب ويغطى على حسنات الرجل وفضائله؟!!
خذ نموذجًا آخر: الشيخ حسن البنا رحمه الله، رجل داعية أثر في المجتمع المصري تأثيرًا كبيرًا وقُتل فيما نحسبه إن شاء الله في سبيل الله تعالى، وترك آثارًا طيبة في كل حال, سواء آثار عملية أو ما كتب في عدد من الموضوعات. هذا الرجل نجد أن كثيرًا من الناس ينظرون إليه نظرة معينة فيها كثير من التنقص والإشارة إلى ضعف علم هذا الرجل وأنه لا يتقن فن الحديث، لماذا؟ لأنه نقل تخريجًا لأحد الأحاديث من العراقي أو من غيره, أو ذكر حديثًا في المسند أو في غيره ولم يتعقبه ولم يتكلم فيه، وقد ينتقد لأنه اجتهد في عدد من المسائل الدعوية والواقعية اجتهادًا قابلاً للنقاش والأخذ والرد، وقد تجد من ينتقص الرجل لأنه تكلم في عدد من مسائل الاعتقاد بما يخالف ما عليه منهج السلف الصالح، والذي يجب أن يعلم أن الحق أغلى في نفوسنا جميعًا من الرجال, فنحن لا يجوز أن نجامل أحدًا من أجل أنه فلان أو فلان يعني على حساب الحق، وحين يخطئ فلان أو فلان لا نجامله, لكن المقصود الآن الإشارة إلى أن هذا الخطأ ينبغي أن يوضع في إطاره الصحيح, فلا يسقط الرجل بالكلية, بل يقال: أخطأ في كذا, ويبقى للرجل منزلته وكرامته وبلاؤه في الإسلام.
ومن الأمثلة أيضًا ما يكتب ويقال عن الشيخ أبي الأعلى المودودي نظرًا لكلامه في عدد من المسائل الاعتقادية والدعوية والفقهية كلامًا فيه شيء من الخطأ وفيه أشياء هي من الأمور الاجتهادية القابلة للنقاش, لكن تجد في بعض الكتابات والكتب التي صدرت عنه نوعًا من الإجحاف في حقه؛ فهذه النظرة التي لا ترى إلا جانب الخطأ ينبغي أن يتقيها الشباب المسلم ويدركوا أننا لو عممنا هذا المنهج لما بقي لنا أحد؛ فإننا لو نظرنا حتى في رجالات الإسلام السابقين المرموقين وجدنا أنهم تُعقبوا في أشياء عديدة, لو نظرت إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لوجدت له كثيرًا من الاجتهادات الفقهية والأصولية والعملية خالفه فيها غيره, وقد يكون الحق معه وقد يكون الحق معهم).
وممن ذكرهم ممن تعقبوا في بعض الأشياء من العلماء المرموقين السابقين الإمام ابن حجر والإمام النووي رحمهما الله.. ومن الجدير بالذكر أنهم تعقبوا في أشياء في العقيدة في الصفات, ومع ذلك بقي لهم مكانهم في أئمة أهل السنة والجماعة نظرًا لفقه العلماء السالفين في التقويم وعملهم بالقواعد السابقة التي منها الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات واغتفار الخطأ إذا غمره الصواب الكثير وعدم التشنيع في هذه الحال حتى لا ينفّر الناس عن العلماء الذين يستفاد منهم .
ثم ذكر الملاحظة الثانية يقول: (وهي على النقيض من الملاحظة الأولى، فإننا نجد من يعظم الأشخاص ويقدسهم ويستبسل في الدفاع عنهم, حتى إنه لا يعترف بالأخطاء مهما كان, وكل شخص يريد أن يدافع عن شخص دفاعًا مستميتًا غير موضوعي يقدم بقوله: إنني أعترف أن هذا الرجل غير معصوم).
ثم ذكر الملاحظة الثالثة وهي المقصودة هنا في هذه القاعدة التي أشرنا إليها بعبارة: نبوغ العالم في تخصص ما لا يلزم منه نبوغه في جميع التخصصات، فذكر أنها (تضخيم الشخص نظرًا لإبداعه في مجال ما). قال: (نجد عددًا كبيرًا من الشخصيات الإسلامية موزعة في تخصصات شتى، فأنت تجد فلانًا في مجال الفقه وآخر في مجال الحديث، وثالثًا في مجال الدعوة، ورابعًا في مجال الوعظ، وخامسًا في مجال الجهاد، وسادسًا في مجال الإصلاح الاجتماعي، وسابعًا في مجال الأدب والشعر... وهكذا.
فكثير من الشباب اليوم تضطرب في أيديهم الموازين، وحين يرون شخصًا قد أبدع ونبغ في مجال يعتقدون أنه نبغ في كل مجال، فيتحول الخطيب في ذهنهم إلى فقيه ومحدث وإمام وداعية ومرجع في كل شيء.
ويتحول الفقيه إلى إنسان يستشار في القضايا الاجتماعية والقضايا الدعوية وربما قضايا سياسية وأدبية وغيرها.
وهذا ينافي وضع الشخص في موضعه المناسب، فأنت قد تجد إنسانًا لو سألته عن مسألة في الفقه لوجدته بحرًا لا ينضب؛ فهو يذكر لك الأقوال والأدلة ويحكم على الأحاديث ويرجح، فتصدر عنه وقد قنعت ورويت، لكن لو سألته عن قضية أخرى بعيدة عن تخصصه لوجدته أشبه بالعامي فيها. وقد تجد شخصًا آخر يتقن فن الخطابة فهو يجيد الوقوف أمام الناس والتحدث إليهم بطلاقة، وإثارة عواطف الناس، ويتكلم بحماس وعاطفة وصدق إن شاء الله، ويؤثر، وهذا شيء طيب، والمسلم يجب أن يستفيد من هذا وهذا، لكن هذا الخطيب لا يعني أنه تحول بقدرة قادر إلى فقيه ومحدث وإمام ومفتي وكل شيء, لا.. ضع الشخص المناسب في المكان المناسب، هذا خطيب، لا بأس أن تستفيد منه في أسلوب الخطابة وطريقة الخطابة وبعض الموضوعات التي يناسب الحديث عنها، وما أشبه ذلك، ثم إذا عرضت لك مسألة فقهية تستفيد ممن هو أهل لها من العلماء والفقهاء والمفتين، وإذا أشكل عليك حديث تستفيد ممن هم أهل تخصص في هذا المجال، فإذا كانت القضية دعوية استفدت ممن له خبرة في مجال الدعوة، وهكذا يمكن أن تستفيد أيها الشاب ويستفيد المسلمون جميعًا من هذه الشخصيات الإسلامية في كل مكان دون أن نرفع الشخص عن قدره.
ومما يدلك على أن كثيرًا من الشباب تغيب عنهم هذه القضية أننا نجد في واقعنا أن المتحدث ـ مثلاً ـ المحاضر حين ينتهي من محاضرته، لو كتب لكم أن تستعرضوا هذه الأسئلة التي يستعرضها الآن لوجدتم أن هناك من يسأل عن موضوع طبي، وهناك آخر يسأل عن موضوع اقتصادي يتعلق بقضايا البنوك، وهناك ثالث يسأل عن مشكلة اجتماعية، ورابع يسأل عن قضية تاريخية، وخامس يسأل عن مسألة أدبية... وهكذا. فلماذا تغيب قضية التخصص عن أذهاننا، فنعتبر أن من تحدث في موضوع يمكن أن يتحدث في كل موضوع، وهذا الخطأ أيها الإخوة يزداد الأمر فيه, حتى إنك تجد أحيانًا أننا قد نسند هذه القضايا إلى أشخاص ليس لهم علاقة بهذا المجال بالكلية سوى أنهم اشتهروا في مجال معين.
وأضرب مثالاً لذلك: قد يبرز شخص مثلاً في جودته في قراءة القرآن مثلاً، وهو ذو صوت عذب في القراءة، وهذه لا شك ميزة يمتن الله بها على من يشاء من عباده، ولكن كون هذا الشخص مُجيدًا لقراءة القرآن مثلاً لا يعني أنه فقيه أو داعية, فتجد أن كثيرًا من الشباب لا ينظرون إلى الشخص إلا نظرة كلية, إما أن يعطوه مائة بالمائة وإما أن يعطوه صفرًا، فإذا برز في مجال اعتبروه بارزًا في كل مجال، وهذا الخطأ ينعكس أيها الشباب في كثير من الأحيان بالصورة التالية:
نحن ننظر إلى هذا الشخص الذي برز على أنه كل شيء ـ وخذوا في أذهانكم أي شخصية من الشخصيات المعروفة في المجتمع ـ هذا الشخص أصبحنا ننظر إليه على أنه بارز في كل شيء، في كل مجال، ويمكن أن يتحدث في أي موضوع، بعد فترة... وخاصة حين نكبر وتكبر عقولنا، ونطّلع، نكتشف أن هذا الشخص قد أخطأ في مسألة أو أن هذا الشخص عنده نوع من الضعف في تخصص من التخصصات، فتجد أننا كما أننا بالأمس أخطأنا فرفعنا هذا الشخص فوق منزلته تجدنا اليوم نخطئ مرة أخرى فنحط هذا الشخص وننسى فضائله لأننا اكتشفنا عنده خطأ.
أعرف بعض الشباب يقدرون أحد الشيوخ ـ وهو أهل للتقدير والفضل في علمه وورعه وتقواه ومنزلته وجهاده في سبيل الله، أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدًا ـ فينظرون إلى هذا الشيخ على أنه قدوة ومثل أعلى في كل مجال، بعد فترة يكتشف بعض هؤلاء الشباب من قربهم من هذا الشيخ واحتكاكهم به أن هذا الشيخ ينقصه مثلاً مجال من المجالات، قد لا يكون في ميدان مواجهة الواقع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدرجة المطلوبة. على سبيل المثال: قد يكون في ميدان معرفة الواقع أصلاً ومعرفة ما يدور بالمجتمع ليس بذاك؛ لأنه مشغول بقضايا علمية وفقهية عن معرفة ما يجري في الواقع، فحين يكتشف هؤلاء الشباب هذه الثغرة الطبيعية ينعكس الميزان في نفوسهم فيسقط هذا الشيخ من عيونهم، وهذا خطأ ولَّده الخطأ الأول
ولذلك ينبغي علينا جميعًا أن نضع الأشخاص في مواضعهم الطبيعية، كل في مجاله، هذا بارز في الخطابة، وهذا بارز في الفتيا والفقه والعلم الشرعي، هذا بارز في الحديث، هذا بارز في الدعوة، وهكذا حتى إذا وجدنا عند أحد منهم نقصًا في مجال غير مجاله اعتبرنا أن هذا الأمر طبيعي؛ لأنه النقص الذي يعتري البشر، وأريد أن أتحفظ على فهم قد يسبق إلى ذهن البعض وهو أننا نقول: إن الدين والعلم الشرعي مهيمن على جميع هذه الأشياء, وهذا لا شك فيه، فالعلم الشرعي مهيمن على كل الأمور وهو الميزان، لكن هناك قضايا ليست في أمور الحلال والحرام والأحكام، وإنما هي تتعلق كما ذكرت أحيانًا بالواقع، أحيانًا بالأدب والشعر، أحيانًا بقضايا تاريخية، أحيانًا بأمور خطابية، أحيانًا بوسائل من وسائل الدعوة التي الأصل فيها الإباحة، مثل هذه الأمور ينبغي أن نراعي فيها جانب التخصص). اهـ.
وختامًا وبعد هذا الذي سبق في المحاضرة كلها يتبين لنا أن تقويم رجال الإسلام ومؤلفاتهم بناءً على خلفيات حزبية أو أهواء شخصية هو عين الجور والظلم الذي لا يُرضي الله سبحانه وتعالى, وأن التشنج والانفعال لا يؤصّل فكرًا ولا يبني رجالاً، كما أن السباب والشتائم لا ترد باطلاً ولا تنصر حقًا.
وليس هذا الكلام دعوة للسكوت عن أخطاء بعض العلماء وكتاباتهم، بل النقد والنصح وبيان الخطأ مطلوب ولكن بشرط أن يحاط ذلك بسياج من الأدب والتثبت والعدل، بعيدًا عن القيل والقال والانفعالات والعصبيات والمهاترات الحزبية والعاطفية. وهذا مرتقى صعب لا يصل إليه إلا الخُلَّص من الرجال الأبرار الذين أنعم الله عليهم بصفاء القلب وحسن القصد.
والنقد وتقويم الآراء إنما يفرق الصف ويشتت الكلمة ويشغلنا ببعضنا عن عدونا في حالة واحدة وهي: إذا كان منهاج النقد والتقويم هو التشهير وتصيّد العثرات وتتبع السقطات والتغافل عن الحسنات، بل إن هذا المنهاج قد يستفز المخالف ويثير فيه كوامن التحدي والمكابرة.
ورحم الله أبا حامد الغزالي إذ يقول: "اعلم وتحقق أن المناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام وإظهار الفضل والشرف والتشدق عند الناس وقصد المباهاة والمماراة واستمالة وجوه الناس هي منبع الأخلاق المذمومة عند الله المحمودة عند عدو الله إبليس, ونسبتها إلى الفواحش الباطنة من الكبر والعجب والحسد والمنافسة وتزكية النفس وحب الجاه وغيرها، كنسبة شرب الخمر إلى الفواحش الظاهرة من الزنا والقذف والقتل والسرقة.
وكما أن الذي خُيِّر بين الشرب وسائر الفواحش استصغر الشرب فأقدم عليه, فدعاه ذلك إلى ارتكاب بقية الفواحش في سكره، فكذلك من غلب عليه حب الإفحام والمباهاة، دعاه ذلك إلى إضمار الخبائث كلها في النفس وهيج فيه جميع الأخلاق المذمومة.
والنقد إذا كان مبنيًّا على تمام العدل والإنصاف والتجرد، فهو من باب النصيحة والتواصي بالحق المأمور بهما شرعًا, وهذا سوف يؤدي جزمًا إلى صفاء الصف ونقائه... ثم إلى ثباته وتماسكه.
وفي هذا الزمان الذي عزّ فيه الإنصاف، واضطربت فيه موازين النقد، وأصبحت الأهواء هي السائدة: أصبح لزامًا علينا أن نعود بكل عزيمة وجد إلى منهج أهل الشرع والجماعة بشموله وكماله، يحدونا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلّوا)).
وما أجمل ما قاله الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى مبينًا منهج الموازنة والترجيح بين الأدلة والأقوال: "عادتنا في مسائل الدين كلها دقّها وجلّها أن نقول بموجبها، ولا نضرب بعضها ببعض, ولا نتعصب لطائفة على طائفة، بل نوافق كل طائفة على ما معها من الحق، ونخالفها فيما معها من خلاف الحق، لا نستثني من ذلك طائفة ولا مقالة, ونرجو من الله أن نحيا على ذلك ونموت عليه، ونلقى الله به. ولا قوة إلا بالله".
نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتّباعه, ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
* * *
مصادر هذه المحاضرة:
ـ رسالة أو كتيب: منهج أهل السنة والجماعة في تقويم الرجال ومؤلفاتهم. لأحمد بن عبد الرحمن الصويان.
ـ كتاب: أهل السنة والجماعة.. معالم الانطلاقة الكبرى. لمحمد عبد الهادي المصري.
ـ مقال الشيخ عبد العزيز بن ناصر السعد في مجلة البيان ـ العدد السادس: وإذا قلتم فاعدلوا.
ـ محاضرة الشيخ سلمان بن فهد العودة: تقويم رجالات الإسلام في الواقع المعاصر، وهي نموذج معاصر للتقويم الصحيح على منهج السلف.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ألقيت هذه المحاضرة فيما لم يزل الشيخ الألباني وابن باز وابن عثيمين على قيد الحياة, فرحمهم الله رحمة واسعة. | |
|