هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب الجزء 3

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
همام(فارس الإسلام)
مشرف
مشرف
همام(فارس الإسلام)


عدد الرسائل : 167
تاريخ التسجيل : 21/11/2007

ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب  الجزء 3 Empty
مُساهمةموضوع: ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب الجزء 3   ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب  الجزء 3 I_icon_minitimeالخميس أكتوبر 23, 2008 7:44 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

ـ الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات

والشهادة للمحسن بإحسانه وللمسيء بإساءته





من المواقف المؤسفة التي تنافي المنهج القرآني ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح في النقد والتقويم أننا نرى اليوم كثيرًا من الناس يفرطون في محبتهم أو كرههم، فإذا أحبوا شخصًا أو طائفة ما فإنهم يفرطون في هذا الحب ولا يعدلون فيه؛ حيث إنهم لا يرون إلا الحسنات، ويغمضون أعينهم عن الأخطاء والسيئات ويبررونها ويؤولونها, وكأن من أحبوه لا يجوز عليه الخطأ، وهذا غلو واعتداء في الحب قد يؤدي إلى الغلو في الرجال وتقديسهم، وفرق بين التقدير والتقديس.



وفي مقابل ذلك إذا أبغضوا شخصًا أو طائفة ما فإن هذا الكره ينسيهم كل الحسنات والإيجابيات, أو أنهم يشككون في نوايا فاعليها, في الوقت الذي لا يذكرون إلا الأخطاء مع التضخيم والتهويل لها, ومعلوم ما في ذلك من ظلم واعتداء ومجانبة للعدل والإنصاف، وما أظن أحدًا من المسلمين يوافق على هذا المنهج الجائر، وإنما المنهج الشرعي في مثل هذه المواقف هو الشهادة للمحسن أنه محسن, ويذكر له ذلك بتجرد وإنصاف، والشهادة للمسيء بأنه مسيء, والنصح له في ذلك وتلمس العذر إن كان ثمة عذر شرعي لإساءته, والانتباه إلى أن كل بني آدم خطّاء, وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وأن الاعتدال في الحب والكره من لوازم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}.



كذلك إذا تبين أن الإنسان ـ مهما كانت منزلته ـ معرّض للصواب والخطأ؛ فلا يجوز أن نطرح جميع اجتهاداته، بل ننظر إلى أقواله الموافقة للحق ونلتزمها، ونعرض عن أخطائه، فالموازنة بين الإيجابيات والسلبيات هو عين العدل والإنصاف.



وإليك بيان هذه المسألة بالأدلة والشواهد:



ـ قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً}.



فالله عز وجل مع أنه يذم اليهود من حيث العموم في مواضع كثيرة، إلا أنه في الوقت ذاته يبيّن أن بعضهم يلتزم بأداء الأمانة ولا يخونها, ولهذا قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.



ـ وقال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}.



فالله سبحانه وتعالى أثبت النفع في الخمر والميسر, ولكنه حرمهما لغلبة المفاسد على المحاسن.



فهذا من القرآن، أما من السنة:



ـ ما رواه البخاري في قصة حاطب وإرساله إلى أهل مكة يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم, وفيها استئذان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب عنقه, ورده صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أليس من أهل بدر؟ لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ـ أو غفرت لكم)).



فهناك إذن عدة مراحل في تقويم الشخص إذا أخطأ:



الأولى: التثبت مما نسب إليه من قول أو فعل.



الثانية: معرفة النوايا والدوافع التي أدت إلى ما قال أو فعل, وهل له عذر شرعي فيكون معفوًّا عنه أم لا.



الثالثة: وإذا ثبت الخطأ وانتفى العذر يوضع هذا الخطأ إلى جانب الإيجابيات ولا ينظر له وحده, بل يشهد له بإحسانه, كما ينصح في إساءته ويوازن بين إيجابياته وسلبياته، فإن كان عنده من الإيجابيات الكثير وكانت إساءته يسيرة إلى جانب إحسانه فإنها تغتفر له ويذكر في مصافّ أهل الخير والفضل.



ـ ومن السنة أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم لما أخرج عثمان صدقة عظيمة: ((ما ضرّ عثمان ما عمل بعدها)).



ـ وقال حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله, إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم, وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي, تعرف منهم وتنكر.



فالنبي صلى الله عليه وسلم أثبت الخيرية لبعض القوم على الرغم من وجود الدخن بينهم, فالعبرة بكثرة المحاسن.



ـ وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى أن رجلاً كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان اسمه عبد الله وكان يلقب "حمارًا"، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب, فأتي به يومًا فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه, ما أكثر ما يؤتى به!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنوه، فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله)). و(ما) موصولة بمعنى الذي, أي: الذي علمت أنه يحب الله ورسوله.



فهذا الصحابي زلت قدمه وتكرر منه شرب الخمر، ولكن هذا لا يعني أنه فاسد بالكلية, بل إن فيه من الصفات الحميدة الأخرى ما توجب محبته وموالاته، فيعرف للمحسن إحسانه وللمسيء إساءته، إتمامًا للعدل والإنصاف. ولا يجوز بحال أن يغلب جانب النظر إلى المعصية دون النظر إلى بقية الحسنات والفضائل، وهذا هو الحد الفاصل بين أهل السنة والخوارج.



ـ وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة عن الشيطان الذي علمه آية الكرسي لتحفظه من الشيطان: ((أما إنه صدقك وهو كذوب)). فالنبي صلى الله عليه وسلم، أثبت الصدق للشيطان الذي ديدنه الكذب، فلم يمنع ذلك من تقبل الخير الذي دل عليه.



وذكر ابن حجر العسقلاني من فوائد هذا الحديث: أن الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فيُنفَع بها.. وبأن الكذاب قد يصدق.



أما الوارد عن الصحابة في ذلك فمنه:



ـ ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الرحمن بن شماسة قال: أتيت عائشة رضي الله عنها أسألها عن شيء فقالت: من أنت؟ فقال: رجل من أهل مصر. فقالت: كيف صاحبكم لكم في غزاتكم. فقال: ما نقمنا منه شيء، إن كان ليموت للرجل البعير فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة، فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أن أخبرك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بيتي هذا يقول: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به)).



ويعلق الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث بقوله: وفيه أنه ينبغي أن يذكر فضل أهل الفضل، ولا يمنع منه سبب عداوة ونحوها.



وأما الوارد عن السلف والعلماء في هذه القاعدة من منهج النقد والتقويم وهي الشهادة للمحسن بإحسانه وللمسيء بإساءته, والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات, واغتفار الخطأ اليسير في جنب الصواب الكثير؛ فمن المأثور عنهم في ذلك ما يلي:



ـ قال سعيد بن المسيب: "ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه، فمن كان فضله أكثر من نقصه وُهِبَ نقصه لفضله".



ـ وقال محمد بن سيرين: "ظلمٌ لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم وتكتم خيره".



ـ وقال سفيان الثوري: "ليس يكاد يفلت من الغلط أحد، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط, وإذا كان الغالب عليه الغلط ترك".



ـ وقال عبد الرحمن بن مهدي: "الناس ثلاثة: رجل حافظ متقن؛ فهذا لا يختلف فيه، وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة؛ فهذا لا يترك حديثه، وآخر يهم والغالب على حديث الوهم؛ فهذا يترك حديثه".



ـ وقال أبو عيسى الترمذي: "وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع, مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم".



ـ وقال الحافظ ضياء الدين المقدسي: "ولو كان كل من وهم في حديث اتُّهم لكان هذا لا يسلم منه أحد".



ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة أهل البيت وغيرهم، قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونًا بالظن ونوع من الهوى الخفي، فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه, وإن كان من أولياء الله المتقين, ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين: طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه، وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحًا في ولايته وتقواه، بل في بره وكونه من أهل الجنة، بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان, وكلا هذين الطرفين فاسد".



ـ وقال ابن القيم رحمه الله: "ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته في قلوب المسلمين".



ـ وقال أيضًا: "فلو كان كل من أخطأ أو غلط تُرك جملة وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها".



ـ وقال أيضًا: "من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل له ما لا يحتمل من غيره، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى خبث، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: ((وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)). فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدرًا, فدلّ على أن مقتضى عقوبته قائم, لكن منع من ترتيب أثره عليه ما له من المشهد العظيم، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات. ولما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فأخرج عثمان رضي الله عنه تلك الصدقة العظيمة قال: ((ما ضرّ عثمان ما عمل بعدها))".



وذكر رحمه الله أمثلة أخرى إلى أن قال: وهذا أمر معلوم عند الناس، مستقر في فطرهم، أنه مَنْ له ألوف الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها، حتى إنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته وداعي شكره على إحسانه، فيغلب داعي الشكر داعي العقوبة كما قيل:



وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع



وقال آخر:



فإن يكن الفعل الذي ساء واحدًا فأفعاله اللائي سررن كثير



والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين حسنات العبد وسيئاته، فأيها غلب كان التأثير له، فيفعل بأهل الحسنات الذين آثروا محابه ومراضيه، وغلبتهم دواعي طبعهم أحيانًا من العفو والمسامحة ما لا يفعله مع غيرهم.



ـ وقال الذهبي رحمه الله: "ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحرّيه للحق واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلـله، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك".



ـ وقال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في إحدى رسائله: "ومتى لم تتبين لكم المسألة لم يحل لكم الإنكار على من أفتى أو عمل حتى يتبين لكم خطؤه، بل الواجب السكوت والتوقف، فإذا تحققتم الخطأ بينتموه ولم تهدروا جميع المحاسن لأجل مسألة أو مائة أو مائتين أخطأت فيهن؛ فإني لا أدّعي العصمة".



وإذا تبين منهج السلف والعلماء في التقويم والنقد, وإذا فهمت هذه القاعدة علم أن مجرد تصيّد الأخطاء وتتبع العثرات والبحث عن الهفوات، كل ذلك مع التغافل عن الحسنات دليل على فساد القصد وسوء الطوية وقلة الدين... ورحم الله الإمام الشعبي إذ يقول: "لو أصبت تسعًا وتسعين، وأخطأت واحدة لأخذوا الواحدة وتركوا التسع والتسعين".



وقبل الانتقال إلى القاعدة الأخيرة نذكر أمثلة عملية من تقويم السلف والعلماء لبعض الشخصيات وبعض الكتب يتضح فيها ما ذكرناه من الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات والشهادة للمحسن بإحسانه وللمسيء بإساءته واغتفار الخطأ القليل إلى جنب الصواب الكثير, وأن يستفاد من صواب المصيب ويجتنب خطؤه.



فمن الأمثلة في مجال تقويم الأشخاص:



ـ ما روي عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال لعبد الله بن الزبير الحميدي: ها هنا رجل من قريش له بيان ومعرفة، فقلت له: فمن هو؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي. فجلس إليه عبد الله وسمع منه، فسأله الإمام أحمد: كيف رأيت؟ قال عبد الله: فجعلت أتتبع ما كان أخطأ فيه. فقال لي أحمد بن حنبل: فأنت لا ترضى أن يكون له هذه المعرفة وهذا البيان تمر مائة مسألة يخطئ خمسًا أو عشرًا، اترك ما أخطأ وخذ ما أصاب.



فانظروا كيف لم يهدر أحمد بن حنبل الرجل وعلمه لكونه أخطأ في خمسة بالمائة أو عشرة بالمائة, فكيف بأولئك الذين يعرضون عن الاستفادة من علماء ودعاة أفذاذ لكونهم أخطأوا ما لا يصل إلى واحد بالمائة.



ـ وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه أيضًا: "ما رأيت أحدًا أقلّ خطأ من يحيى بن سعيد، ولقد أخطأ في أحاديث، ثم قال: ومن يعرى من الخطأ والتصحيف؟!".



وكان أحمد بن حنبل رضي الله عنه يذكر إسحاق بن راهويه ويمدحه ويثني عليه ويقول: "وإن كان يخالف في أشياء فإن الناس لم يزل بعضهم يخالف بعضًا".



ومن الأمثلة العملية أيضًا لهذه القاعدة تقويم العلماء للمبتدعة ومنهج المحدثين في قبول رواياتهم, وذلك أن أئمة الحديث يقبلون رواية المبتدعة التي لا يقوّون بها مذهبهم والتي لا تقع في البدع المكفرة إذا توفر في رواتها الضبط والإتقان والصدق، وكانوا يقولون: "لنا صِدْقه وعليه بدعته".



وليس هذا تهوينًا من أمر البدعة وأهلها، ولكنه تعظيم للعدل واعتراف بالحق لأهله.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همام(فارس الإسلام)
مشرف
مشرف
همام(فارس الإسلام)


عدد الرسائل : 167
تاريخ التسجيل : 21/11/2007

ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب  الجزء 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب الجزء 3   ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب  الجزء 3 I_icon_minitimeالخميس أكتوبر 23, 2008 7:45 pm

وقال الإمام الطبري: "لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه".



وقال ابن حجر: "فالمعتمد أن الذي تُردّ روايته: من أنكر أمرًا متواترًا من الشرع معلومًا من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه. فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله".



وعلى الرغم من حساسية هذه المسألة وخطورتها عند أهل السنة والجماعة، وعلى الرغم من شدة تحذريهم من البدع وأهلها, إلا أن ذلك لم يمنع من قبول رواية بعض المبتدعة وإخراج حديثهم في الصحاح لتوفر صفتي الضبط والصدق. وهذا دليل ساطع وبرهان قاطع يدل على عظم العدل الذي اتصف به هؤلاء السلف الكرام في تقويمهم للرجال.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والله قد أمرنا ألا نقول عليه إلا الحق، وألا نقول عليه إلا بعلم، وأمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني ـ فضلاً عن الرافضي ـ قولاً فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق".



ومن ذلك قبوله صلى الله عليه وسلم من اليهود قولهم: إنكم تشركون تقولون: ومحمد وتقولون: ورب الكعبة. فأمرهم عليه الصلاة والسلام أن يقولوا: ورب محمد, وأن يقولوا: ورب الكعبة.



فتأمل ما وصل إليه حالنا؛ حيث إذا أبغض أحدنا شخصًا ردّ كل كلام له دون أن يتأمل ما فيه من الحق أو الباطل!!



وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا: "وليس مما أمر الله به ورسوله ولا مما يرتضيه عاقل أن نقابل الحجج القوية بالمعاندة والجحد، بل قول الصدق والتزام العدل لازم عند جميع العقلاء، وأهل الإسلام والملل أحق بذلك من غيرهم".



ولهذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية يعترف بفضائل المبتدعة إذا ثبتت عنهم ولا يتردد في ذلك, يقول مثلاً: "وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك، وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفارًا، وكذلك بعض الملوك قد يغزو غزوًا يظلم فيه المسلمين والكفار ويكون آثمًا بذلك. ومع هذا فيحصل به نفع خلق كثير كانوا كفارًا فصاروا مسلمين".



بل إن من تمام عدل أهل السنة والجماعة وإنصافهم لغيرهم أنهم أعدل من المبتدعة مع بعضهم البعض؛ لأن المبتدعة أهل أهواء وشهوات، وإلى هذا أشار شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "والرافضة فيهم من هو متعبد ورع زاهد، لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من أهل الأهواء، فالمعتزلة أعقل منهم وأعلم وأدين، والكذب والفجور فيهم أقل منه في الرافضة، والزيدية من الشيعة خير منهم: أقرب إلى الصدق والعدل والعلم. وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج، ومع هذا فأهل السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرام مطلقًا, بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض، بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض, وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضًا".



ـ ومن الأمثلة العملية لطريقة العلماء السالفين في تقويم الأشخاص مراعين الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات وغير ذلك من القواعد، كلامهم في الشيخ أبي إسماعيل الهروي مؤلف منازل السائرين الذي بنى ابن القيم عليه كتابه مدارج السالكين.



فيقول ابن القيم رحمه الله: "كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: عمله خير من علمه. وصدق رحمه الله، فسيرته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد أهل البدع لا يشق له فيها غبار. وله المقامات المشهورة في نصرة الله ورسوله. وأبى الله أن يكسو ثوب العصمة لغير الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، وقد أخطأ في هذا الباب لفظًا ومعنى".



واستدرك عليه لفظًا آخر ثم قال: "ولا توجب هذه الزلة من شيخ الإسلام إهدار محاسنه وإساءة الظن به، فمحله من العلم والإمامة والمعرفة والتقدم في طريق السلوك المحل الذي لا يجهل, وكل أحد فمأخوذ من قوله ومتروك إلا المعصوم صلوات الله وسلامه عليه, والكامل من عُد خطؤه, ولاسيما في مثل هذا المجال الضنك، والمعترك الصعب، الذي زلت فيه أقدام، وضلت فيه أفهام، وافترقت بالسالكين فيه الطرقات، وأشرفوا ـ إلا أقلهم ـ على أودية الهلكات.



ـ ومن الأمثلة العملية أيضًا لتقويم الرجال كلام العلماء عن ابن حزم رحمه الله؛ فيقول ابن تيمية في أبي محمد بن حزم: "وكذلك أبو محمد بن حزم فيما صنفه من الملل والنحل إنما يستحمد بموافقة السنة والحديث، مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك، بخلاف ما انفرد به من قوله في التفضيل بين الصحابة, وكذلك ما ذكره في باب الصفات؛ فإنه يستحمد فيه بموافقة أهل السنة والحديث، لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة ويعظّم السلف وأئمة الحديث، ويقول: إنه موافق للإمام أحمد في مسألة القرآن الكريم وغيرها، ولا ريب أنه موافق له ولهم في بعض ذلك، لكن الأشعري ونحوه أعظم موافقة للإمام أحمد بن حنبل ومن قبله من الأئمة في القرآن الكريم والصفات, وإن كان أبو محمد بن حزم في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره، وأعلم بالحديث وأكثر تعظيمًا له ولأهله من غيره، لكن قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك، فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى. وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث باتباعه لظاهر لا باطن له، كما نفى المعاني في الأمر والنهي والاشتقاق، وكما نفى خرق العادات ونحوه من عبادات القلوب، مضمومًا إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر، والإسراف في نفي المعاني ودعوى متابعة الظواهر.. وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدافعه إلا مكابر.



ويوجد في كتبه من كثرة الاطلاع على الأقوال والمعرفة بالأحوال والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانب الرسالة ما لا يجتمع مثله لغيره، فالمسألة التي يكون فيها حديث يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح. وله من التمييز بين الصحيح والضعيف والمعرفة بأقوال السلف ما لا يكاد يقع مثله لغيره من الفقهاء".



ويقول الإمام الذهبي رحمه الله: "ولم أنقم على القاضي ـ يعني أبا بكر بن العربي ـ إلا إقذاعه في ذم ابن حزم واستجهاله له. وابن حزم أوسع دائرة من أبي بكر في العلوم، وأحفظ بكثير، وأصاب في أشياء وأجاد، وزلق في مضايق كغيره من الأئمة. والإنصاف عزيز".



وقال أيضًا في ابن حزم: "وكان قد مهر أولاً في الأدب والأخبار والشعر، وفي المنطق، وأجزاء الفلسفة، فأثرت فيه تأثيرًا ليته سلم من ذلك، ولقد وقفت له على تأليف يحض فيه على الاعتناء بالمنطق، ويقدمه على العلوم فتألمت له، فإنه رأسٌ في علوم الإسلام، متبحر في النقل، عديم النظير على يُبس فيه وفرط ظاهرية في الفروع والأصول, وصنف في ذلك كتبًا كثيرة ـ أي في الظاهرية ـ وناظر عليه، وبسط قلمه ولسانه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجج في العبارة وسب وجدع، فكان جزاؤه من جنس فعله، بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة وهجروها، ونفروا منها، وأحرقت في وقت، واعتنى بها آخرون من العلماء، وفتشوها انتقادًا واستفادة، وأخذًا ومؤاخذة، ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجًا في الرصف بالخرز المهين، فتارة يطربون، ومرة يعجبون، ومن تفرده يهزءون. وفي الجملة فالكمال عزيز, وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.



وكان ينهض بعلوم جمة ويجيد النقل، ويحسن النظم والنثر, وفيه دين وخير, ومقاصده جميلة، ومصنفاته مفيدة، وقد زهد في الرئاسة ولزم منزله مكبًّا على العلم، فلا نغلو فيه ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار".



ومن الأمثلة العملية أيضًا في تقويم الرجال كلام ابن كثير رحمه الله في شيخ الإسلام ابن تيمية؛ حيث يقول بعد كلام طويل في البداية والنهاية: وبالجملة كان رحمه الله من كبار العلماء، وممن يخطئ ويصيب، ولكن خطأه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لجي، وخطؤه أيضًا مغفور له كما في صحيح البخاري: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)). فهو مأجور، وقال الإمام مالك بن أنس: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم".



ـ ومن الأمثلة العملية في تقويم أحد الكتب ومؤلفها كلام الإمام شمس الدين الذهبي في ترجمة القفال الشاشي: "قال أبو الحسن الصفار: سمعت أبا سهل الصعلوكي، وسئل عن تفسير أبي بكر القفال فقال: قدسه من وجه ودنسه من وجه. أي دنسه من جهة نصره للاعتزال. قلت: قد مرّ موته، والكمال عزيز، وإنما يمدح العالم بكثرة ما له من الفضائل، فلا تدفن المحاسن لورطة، ولعله رجع عنها، قد يُغفر له في استفراغه الوسع في طلب الحق، ولا حول ولا قوة إلا بالله".



ـ ومن الأمثلة العملية لتطبيق تلك القواعد في نقد الكتب وتقويمها ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض تقويمه لكتابيْ "إحياء علوم الدين"، لأبي حامد الغزالي، و"قوت القلوب" لأبي طالب المكي، حيث قال رحمه الله: أما كتاب قوت القلوب وكتاب الإحياء تبع له فيما يذكره من أعمال القلوب مثل الصبر والشكر والحب والتوكل والتوحيد ونحو ذلك.



وأبو طالب أعلم بالحديث والأثر وكلام أهل علوم القلوب من الصوفية من أبي حامد الغزالي، وكلامه أسدّ وأجود تحقيقًا، وأبعد عن البدعة، مع أن في قوت القلوب أحاديث ضعيفة وموضوعة وأشياء كثيرة مردودة.



وأما ما في الإحياء من الكلام في المهلكات مثل: الكلام على الكبر، والعجب، والرياء، والحسد، ونحو ذلك، فغالبه منقول من كلام الحارث المحاسبي في الرعاية، ومنه ما هو مردود، ومنه ما هو متنازع فيه.



والإحياء فيه فوائد كثيرة، لكن فيه مواد مذمومة، فإن فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد، فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدوًّا للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين.



وقد أنكر أئمة الدين على أبي حامد هذا في كتبه وقالوا: مرضه الشفاء، يعني: شفاء ابن سينا في الفلسفة.



وفيه أحاديث وآثار ضعيفة، بل موضوعة كثيرة، وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وترهاتهم, وفيه ـ مع ذلك ـ من كلام مشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة، ومن غير ذلك من العبادات والأدب ما هو موافق للكتاب والسنة ما هو أكثر مما يُردّ منه.



فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس وتنازعوا فيه.



وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا في موضع آخر: "وكلام أكثر الناس في هذا الباب ونحوه على درجات متفاوتة: فيحمد كلام الرجل بالنسبة إلى من دونه، وإن كان مذمومًا بالنسبة إلى من فوقه؛ إذ الإيمان يتفاضل، وكل له من الإيمان بقدر ما حصل منه.



ولهذا كان أبو حامد مع ما يوجد في كلامه من الرد على الفلاسفة، وتكفيره لهم، وتعظيمه النبوة وغير ذلك، ومع ما يوجد فيه من أشياء صحيحة حسنة، بل عظيمة القدر نافعة، يوجد في بعض كلامه مادة فلسفية، وأمور أضيفت إليه توافق أصول الفلاسفة الفاسدة المخالفة للنبوة، بل المخالفة لصريح العقل".



وقال شمس الدين الذهبي: "وأما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خير كثير، لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية، نسأل الله علمًا نافعًا".



وقال الذهبي أيضًا: "الغزالي إمام كبير، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ".



وقال أيضًا: "فرحم الله أبا حامد، فأين مثله في علومه وفضائله؟! ولكن لا ندعي عصمته من الغلط والخطأ, ولا تقليد في الأصول".



فهذان إمامان جليلان من أئمة أهل السنة والجماعة يثبتان الاضطراب والانحراف في منهج أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى، ولم يمنعهما ذلك من تقرير جوانب إيجابية أخرى في منهجه الفكري، إحقاقًا للحق، وإتمامًا للعدل المأمور به شرعًا.



وحينما يفقد هذا الورع والاتزان والعدل: تشيع الاتهامات، وتكثر الافتراءات، حتى يصل الحال عند بعض الناس ـ غفر الله لنا ولهم ـ إلى رمي الكتاب كله عرض الحائط لهفوة ـ مقصودة أو غير مقصودة ـ أخذت على المؤلف وأعطيت أكثر مما تستحق من النقد والتجريح. نسأل الله العفو والعافية.



وإذا كان كلام ابن تيمية والذهبي في الإحياء كما سمعنا مع ما فيه من انحرافات وبدع ظاهرة، علمنا مدى غلو الذين يضربون بكتاب ـ كالظلال مثلاً ـ عرض الحائط نظرًا لأخطاء استخرجوها بالمنقاش، فضلاً عن غلو من هاجم محمد قطب لأنه يلبس بدلة أو لا يشبه الإخوة في صلاته ونحو ذلك دون أن يأخذوا عليه بدعة أو خطأ. وهب أن له أخطاءً هو أو غيره فلا تبلغ مبلغ ما أخذه العلماء على أبي حامد الغزالي مثلاً وغيره ومع ذلك احترموهم وأخذوا عنهم ما أصابوا فيه، ورحم الله ابن القيم حين يبين منهج أهل السنة والجماعة في ذلك وهو منهج العدل، فقال:



فإن كل طائفة معها حق وباطل، فالواجب موافقتهم فيما قالوه من الحق، ورد ما قالوه من الباطل, ومن فتح الله له بهذه الطريق فقد فتح له من العلم والدين كل باب، ويسر عليه فيهما الأسباب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المنتقد




عدد الرسائل : 4
العمر : 74
تاريخ التسجيل : 27/10/2008

ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب  الجزء 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب الجزء 3   ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب  الجزء 3 I_icon_minitimeالإثنين أكتوبر 27, 2008 3:32 pm

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلامعلى خاتم الأنبياء و المرسلين وبعد:

لا شك أن العدل من ميزات المتقين كما قال - تعالى - : اعدلوا هو أقرب للتقوى .
لكن في نفس الوقت لا ننسى منهج القرءان والسنة وأقوال الصحابة وأتباعهم بإحسان وأئمة الهدى و علماء المسلمين الراسخين في العلم في نقد الأشخاص وبيان أخطائهم وكيفية تقويم هذه الأخطاء بالتي هي أحسن للتي هي اقوم.
فيما سبق ذكرت لك أخي - رعاك الله - فتاوى العلماء الكبار في مسألة وضع الحسنات إلى جانب السيئات عند الحكم على الأشخاص أو الكتب أو الجماعات و ما أشبه ذلك .
و لايعني ابدا أننا إذا لا لم نذكر الحسنات عند النقد هذا دليل على عدم العدل و اننا ظلمنا ذلك المنتقد , كلا بل هذا عين العدل كيف لا و هو طريقة القراءن والسنة والصحابة وأئمة الهدى و سبق وان ذكرت أمثلة من القرءان والسنة تبين هذا العدل في النقد .
و رأيت هنا بعض الادلة التي وضعتها للتدليل على ذكر الحسنات والسيئات جنبا لجنب عند النقد و سنناقشها بإذن الله - تعالى - ونرى هل حقا تصلح للإستدلال أم لا؟؟. لكن حتى لا يلتبس الأمر نقول :
هناك ضوابط يجب مراعاتها عند النقد خاصة بالنسبة :يقول الشيخ ربيع :

أولاً: الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين:
وقد ذكر الله قصصهم وجهادهم وصبرهم، وذم من كذبهم وخالفهم، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته بالاقتداء بهم.

ثانيا: الصحابة الكرام رضوان الله عليهم:
فليس لهم من الأمة إلا الحب والتوقير.
وقد أثنى الله عليهم في كتابه الثناء العاطر، وتحدث عن منازلهم وجهادهم وبذلهم في سبيل الله المال والنفس.
وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثناء العاطر أفرادا وجماعة.

ثالثا: التابعون لهم بإحسان:
من التابعين الذين أدركوا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واهتدوا بهديهم، مثل فقهاء المدينة السبعة، ومن جرى على منهجهم في سائر الأمصار، ثم من بعدهم أئمة الحديث والفقه والتفسير، الذين سلكوا مسلك الصحابة والتابعين الكرام، ومن سار على منهجهم في الاعتقاد والاعتصام بالكتاب والسنة، ومجانبة البدع والأهواء وأهلها، والدفاع عن الحق وأهله إلى يومنا هذا وبعده إلى أن يأتي أمر الله.
وهؤلاء هم الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله عز وجل ".

و لكن في مقابل ذلك يجب جرح أشخاص وبيان ضلالهم ومخافتهم لسبيل المؤمنينحتى يحذر منهم و من بينهم:
أولا: أهل البدع:
ويجوز- بل يجب- الكلام في أهل البدع، والتحذير منهم ومن بدعهم أفرادا وجماعات، الماضون منهم والحاضرون، من الخوارج والروافض والجهمية والمرجئة والكرامية وأهل الكلام الذين جرهم علم الكلام إلى عقائد فاسدة

ثانيا: الرواة والشهود إذا كانوا مجروحين:
فهؤلاء يجوز جرحهم بإجماع المسلمين، بل هو واجب( ).
قال ذلك وحكاه النووي وابن تيمية رحمهما الله.
1- فإذا اتفق أئمة الجرح والتعديل على جرح راو بالكذب، أو فحش الغلط، أو قالوا: متروك الحديث، واهي الحديث، أو ما شاكل ذلك، جاز لكل باحث وناقل أن ينقل ذلك ويرويه، ولا يلزمه- من قريب ولا من بعيد- ذكر شيء من محاسنه، فضلا عن البحث عن كل محاسنه ثم ذكرها.
- وأما الرواة المختلف في تعديلهم وتجريحهم، أو الرواة المبتدعون:
فالنوع الأول يترتب على تقديم جرحه والأخذ به دون التفات إلى قول من عدله إسقاط شيء من الدين ومما ثبت عن سيد المرسلين، وهذا إفساد عظيم، وتضييع شيء من الدين يجب علينا حفظه وهو أمانة في أعناق العلماء، فيجب حينئذ لمصلحة الدين وحفظه، ولأجل المصلحة العامة للمسلمين: أن نتحرى الحقيقة، وندرس أقوال أئمة الجرح والتعديل، ونأخذ بالراجح من الجرح أو التعديل، كل ذلك لأجل هذه المصلحة، لا من أجل وجوب الموازنة لذات ذلك الرجل المجروح، فإذا ثبت جرحه بعد الدراسة، جاز حكاية جرحه دون موازنة، ولا يقول عالم بوجوبها.
وأما المبتدع، فإذا كنا في مقام التحذير من البدع، حذرنا منه، ذاكرين بدعته فقط، ولا يجب علينا ذكر شيء من محاسنه، وإذا كنا في باب الرواية، فيجب ذكر عدالته وصدقه إذا كان عدلا صادقا، لأجل مصلحة الرواية وتحصيلها والحفاظ عليها، لا من أجل شيء آخر، كوجوب الموازنة بين المحاسن والمثالب كما يزعم من يزعمه، فلا يلزمنا ذكر جوده وعلمه وشجاعته وجهاده وأخلاقه وغير ذلك مما لا علاقة له بالرواية.
ولقد كان من السلف من يجانب الرواية عن أهل البدع وعن أهل التهم.

فهل أخي - حفظك الله - عندما تذكر أهل البدع السابقين مثل جهم بن صفوان وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وأعيان المرجئة والقدرية والممثلة والروافض كإبن سبأ فهل تذكر مع بدعهم وسيئاتهم ما لهم من حسنات , لا اظنك تفعل هذا اليس كذلك ؟؟.
ثالثا: من تباح غيبتهم:
قال النووي رحمه الله: "باب ما يباح من الغيبة:
اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي، لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو بستة أسباب:
الأول: التظلم.
الثاني: الاستعانة علي تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب.
الثالث: الاستفتاء.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه:
- منها جرح المجروحين من الرواة والشهود:
وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة".
إلى أن يقول: "ومنها إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع فاسق، يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة... ".
فأنت ترى أنه لم يشترط إلا قصد النصيحة، ولم يشترط ذكر حسنات المحذر منه، ولم يوجب الموازنات التي يوجبها هؤلاء، ويرون أن تركها ينافي الأمانة ويجافي الإنصاف والعدل.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: إنه يثقل علي أن أقول: فلان كذا، فلان كذا؟ فقال: إذا سكت أنت وسكت أنا، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ؟ إ".
• كلام الأئمة في أهل البدع والرواة:
ثم إن أئمة الإسلام تكلموا في أهل البدع وفي الرواة، ولم يشيروا من قريب ولا من بعيد إلى وجوب أو اشتراط هذه الموازنة،. وألفوا كتبا في الجرح والتعديل، وكتبا في نصر السنة والرد على أهل البدع وجرحهم، وكتبا في العلل، وكتبا في الموضوعات، ولم يوجبوا هذه الموازنة لا من قريب ولا من بعيد، بل ألفوا كتبا خاصة بالجرح، وخصصوها بالمجروحين أو بمن تكلم فيهم بجرح، ولم يشترطوا هذا الشرط لا من قريب ولا من بعيد.
فقد ألف الإمام البخاري- وهو من هو إمامة ودينا وخلقا وورعا- كتابين في الضعفاء: "الكبير"، و"الصغير".
وألف الإمام النسائي كتابا في "الضعفاء والمتروكين ".
وألف العقيلي كتابا في "الضعفاء".
وألف ابن عدي كتابه "الكامل " في من تكلم فيهم.
وألف ابن حبان كتابا خاصا بالمجروحين.
وللدارقطني وابن معين عدد من الكتب أجابا فيها على أسئلة عن الضعفاء والمتروكين.
وألف الحاكم كتاب "الضعفاء"، وهو جزء من "المدخل ".
وألف أبو نعيم وابن الجوزي في ذلك.
وألف الذهبي ثلاثة كتب في المجروحين ومن تكلم فيهم: "الميزان " و " المغني " و "ديوان الضعفاء".
وألف الحافظ ابن حجر: "لسان الميزان ".
وكتب الجرح والتعديل المشتركة مليئة بالطعن في المجروحين، وخاصة كتب الإمام يحيى بن معين، فلم يشترطوا هذه الموازنة.
إن هذا المنهج الذي يشترط الموازنة، لمما يعود على أئمة الإسلام بالطعن، وإيقاعهم في شبك الإتهام بالظلم والخيانة، ونعوذ بالله من منهج هذه من نتائجه.-انتهى كلام الشيخ ربيع -

فتأمل في هذا النهج القويم والصراط المستقيم في الحكم على الأشخاص ولو أعملنا قاعدة الموازنات لاتهمنا القرءان والسنة وأئمة الهدى بالظلم والجور لعدم ذكرهم لحسنات الأشخاص المتكلم فيهم .
ثم يقول الشيخ - حفظه الله -:
قال أحمد بن عبدالرحمن الصويان: "خامسا: الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات: إذا تبين أن الإنسان- مهما كانت منزلته- معرض للصواب والخطأ، فلا يجوز لنا أن نطرح جميع اجتهاداته، بل ننظر إلى أقواله الموافقة للحق ونلتزمها، ونعرض عن أخطائه، فالموازنة بين الإيجابيات والسلبيات هو عين العدل والإنصاف، وإليك بيان هذه المسألة بالأدلة والشواهد " ا هـ.
قلت: لا كلام في الأئمة المجتهدين الذين اجتهدوا في طاعة الله ورسوله باطنا وظاهرا، وهم في ذلك يطلبون الحق باجتهادهم، كما أمرهم الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المنتقد




عدد الرسائل : 4
العمر : 74
تاريخ التسجيل : 27/10/2008

ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب  الجزء 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب الجزء 3   ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب  الجزء 3 I_icon_minitimeالإثنين أكتوبر 27, 2008 3:40 pm

ورسوله فإن لهم فيما أصابوا فيه أجرين، وفيما أخطؤوا فيه أجرا واحدا
لكن الكلام في أهل البدع والضلال والجهل، الذين قال الله في شأنهم: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله }
ويقول الله في شأنهم: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون * ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }
والكلام على الذين يتجرؤون على الفتوى والإفتاء بغير علم، والذين يضعون المناهج، ويقعدون القواعد، ويؤصلون أصولا كلها بعيدة عن منهج الإسلام، ويفتقدون الأدلة والبراهين، والذين قال الله فيهم: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون }
كما يجب أن يفرق بين المجتهدين وهذه الأصناف.
كما يجب أن يفرق بين من يتحرى الحق، ويأخذ من أقوال المجتهدين ما يوافق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويرد ما خالفه، وبين أولئك الذين لا يتحرون هذا التمييز بين الصواب والخطأ في حق المجتهدين، ولا يتورعون عن تقديس أهل البدع والجهل، والأخذ بأقوالهم الباطلة، ومناهجهم الفاسدة، وأصولهم الضالة.
ولم أر الأخ الصويان يفرق بين هذه الأنواع، وكان يجب عليه التفريق الواضح، والاهتمام بإبراز خطورة البدع والتحذير القوي منها ومن أهلها.
وهذا أسلوب- أعني: ضعف المبالاة بالبدع- أصبح متبعا عند كثير من الدعاة الجدد، بل تجد عندهم المحاماة عن أهل البدع بل الإشادة بهم!! والتنويه بذكرهم!! بل يعتبرون بعض رؤوس أهل البدع مجددين وروح التحري للحق، ولا الاستعداد للتمييز بين الحق والباطل، ولسان حالهم يقول: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون}

ثم شرع الصويان في إيراد الأدلة، فقال:
"الأول: قال تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل وبقولون على الله الكذب وهم يعلمون}( ).
فالله جل وعلا يذم اليهود من حيث العموم، ولكنه في الوقت ذاته يبين بأن بعضهم يلتزم بأداء الأمانة ولا يخونها.
قلت:
أولا: لم يقل أحد- في حدود علمي- لا من الصحابة- ومنهم البحر الحبر ابن عباس- ولا من المفسرين: إن هذه الآية تدل على الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات، ولا ما في معنى هذه العبارة، ولا ينبغي الخروج عن فقه السلف وفهمهم.
ثانيا: الذي فهمه علماء التفسير من الآية إنما هو التحذير:
إما عموما، كالقرطبي رحمه الله، قال: "الثانية: أخبر الله تعالى أن في أهل الكتاب الخائن والأمين، والمؤمنون لا يميزون ذلك، فينبغي اجتناب جميعهم، وخص أهل الكتاب بالذكر، وإن كان المؤمنون كذلك، لأن الخيانة فيهم أكثر، فخرج الكلام على الغالب، والله أعلم " ( ) .
وإما خصوصا، كما يفهم من كلام ابن كثير( ).
ويبدو لي أن تفسير القرطبي هو الأولى بالصواب.

ثالثا: في الكتاب والسنة نصوص كثيرة تطلق ذم اليهود والنصارى، وليس فيها هذه الموازنات، مثل قول الله تعالى في بني إسرائيل:{ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون}{أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وانتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}( ).
{وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم }
فأين الموازنات بين الإيجابيات والسلبيات ؟!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يحذر ما صنعوا
وقال البخاري: حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قاتل الله فلانا، ألم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: "لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فجملوها، فباعوها"
ألا يتضمن مبدأ الموازنات طعنا في هذه المواقف من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الذي ملأ الدنيا عدلا؟!- انتهى كلام الشيخ -
فهذه نماذج رعاك الله بحفظه و لا أريد الإطالة ولك هذا الرابط تجد فيه الكتاب المذكور لنقد هذا المنهج الباطل في النقد وأنه تذكر الحسنات والسيئات عند نقد الشخص أو الفرقة أو الكتاب .
http://www.rabee.net/show_des.aspx?pid=1&id=15&gid=
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ضوابط الحكم على الأشخاص ونقد الكتب الجزء 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتديات الإســــلامـــيـة :: ادآب شرعية و اخلاق-
انتقل الى: