بقدر الصعود يكون الهبوط 20
بمعنى : أحذر العجب والتعالي والغرور فهو دليل السفه ونقص العقل ودنو النفس لا يزال الشيطان بالإنسان إلى أن ينظر إلى نفسه وعمله نظرة إعجاب وغرور وإكبار فيقول له: أنت فعلت وفعلت حتى يلقي في روعه أنه لا مثيل له ولا نظير له فيعجب بنفسه فيغتر فيهلك وهو لا يشعر، ثم يتوقف عن العمل فيشقى، لأن السعادة إنما تدرك بالسعي والطلب والمعجب يرى أنه وصل فلا حاجة للسعي فيقضي العمر كله وهو يراوح مكانه لا يتقدم لمكرمة ولا يرتقي لمنزلة .
ولولا السعي لم تكن المساعي
فما خير برق لاح في غير وقته .......... وواد غدا ملآن قبل أوانه
عند ذلك يرفض الحق ويحتقر الخلق ويداوم تزكية النفس أمام الخلق ويفرح بعيوب أقرانه من الخلق ثم يستعصي على النصح ولا يعترف بجهود الآخرين يداوم الحديث عما ينجزه من أعمال ويرفض الرجوع عن الخطأ ويحاول تبرير الخطأ ويستبد برأيه فرأيه صواب لا خطأ فيه لا يستشير أهل التجارب العقلاء ولا يستنير بآراء الأكياس الفطناء يهتم بشواذ المسائل وغريبها ويهمل العمل بأصول المسائل ثم يرفض الجلوس للتعلم في حلقات العلم .
ألجّ لجـاجـاً من الخنفســاء ...... وأزهى إذا ما مشى من غراب
هو الغريق فما يخشى من البلل ...... جذ السنام له وجذ الغارب
فحاله ياله من حال: كالصخرة الصماء الضخمة على القمة والسفح تغادرها خيرات السماء حتى تجتمع في الأرض المنخفضة .
* أو كالبرغوث يحيا ما دام جائعا فإذا شبع مات .
* أو كراكب أراق ماءه لرؤية السراب ثم ندم حيث لا ينفع ندم ولا حسرة.
* أو كرجل في قمة جبل يرى الناس في السهل كالنمل ويراه الناس في القمة كالذر وهو لايشعر .
مثل المعجب في إعجابه ......... مثل الواقف في رأس الجبل
يبصر الناس صغار وهوفي ..... أعين الناس صغيراً لم يزل
أو هو ( كالسنبلة الفارغة من الحب بين السنابل المملوءة بالحب تجدها رافعة رأسها تتعالى على صديقاتها وصويحباتها مع أنها لا تصلح إلا علفا للحيوان)، والمملوءة حبا مثقلة بالخير قد انحنت برؤوسها .
إن كريم الأصل كالغصن كلما .......... ازداد من خير تواضع وانحنى
العجب بإختصار كلب ينبح في قلب صاحبه والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صور أو كلب.
فتنة تضحك أرباب النهى ........ من مخازيها وتبكي البشرا
والنتيجة مخزية فنعوذ بالله من الخزي والبوار يحرم المعجب من توفيق الله فالخذلان موافق له ومصاحب له : ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) (لأعراف:146). وتبعا لذلك ينال غضب الله ومقته . ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة كبر)) ، وثبت أيضا : (( من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان)) ثم ينهار المعجب وقت المحنة والشدة لأنه لم يحفظ الله في الرخاء فجدير بأن يخذل وقت المحنة (( تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة ))، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم : ثم إن المعجب يخلق بينه وبين مدعويه جفوة وفجوة لا تكاد تردم فالقلوب جبلت على بغض من يتعالى عليها ومن ثم لا تقبل دعوته والمعجب عرضة لإنتقام الله العاجل والآجل (( بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته يختال في مشيته إذا خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة)) كما روي البخاري ومسلم رحمهما الله.
أتت النوى دون الهوى فأتى الأسى ...... دون الأُسى بحرارة لم تبرد
خدعتهم الأحلام في سنة الكرى ......... ما أكذب الأحلام والتأويلا
له أسباب وبواعث لعل منها ما يلي: - باختصار-
1- انحراف المربي في هذا الجانب إذ يلمس منه حب المحمدة ودوام تزكية النفس بالحق أو بالباطل فيتأثر به تحت يده .
2- ثم المدح في غير ضوابطه الشرعية بأن يكون بالحق وغير مجاوز للحد ومع من لا تخشى عليه الفتنة .
3- ثم صحبة المعجبين والمرء على دين خليله والصاحب ساحب – كما قيل- .
4- ثم الصدارة قبل النضج والتربية فالتفقه في دين الله ضرورة قبل الصدارة ( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122). وقد يكون السبب عراقة الأصل والنسب لبعض العاملين فتحمله على استحسان ما يعمله مع أن النسب لا يقدم ولا يؤخر ( كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران:59). (( لينتهين أقوتم يفتخرون بآبابئهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من العجلان )) (أبو داود). وبعد هذا كله فإني أعرض عليك نقاطا عدة لعل فيها العلاج لمن أصيب بهذا الداء عافانا الله وإياكم منه.
أولاً: العلم واليقين بأن المنة لله عز وجل فيما أعطيته من مواهب وقدرات والله قادر أن يسلبكها ما بين غمضة عين وانتباهتها ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (ابراهيم:7).( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ َ) (النحل:53).
ثانيا: دوام حضور مجالس العلم والعلماء تلميذاً فإن في ذلك تطهير للنفس من ذلك الداء وتعريفا لها بقدرها وذلك هو الدواء.
يقول أحمد ابن يوسف الشيرازي في "أربعين البلدان" له: ( لما رحلت إلى شيخنا رحلة الدنيا ومسند العصر أبي الوقت، قدر الله لي الوصول إليه في آخر بلاد كرمان، فسلمت عليه، وقبلته، وجلست بين يديه، فقال لي: ما أقدمك هذه البلاد؟ قلت: كان قصدي إليك، ومعولي، بعد الله عليك، قد كتبت ما وقع إلىَّ من حديثك بقلمي، وسعيت إليك بقدمي، لأدرك بركة علمك، وأحضى بعلو إسنادك، فقال : وفقك الله وإيانا لمرضاته، وجعل سعينا له، وقصدنا إليه، ولو كنت عرفتني حق معرفتي، لما سلمت عليَّ، ولا جلست بين يدي، ثم بكى بكاءً طويلا ، وأبكى من حضره، ثم قال: اللهم استرنا بسترك الجميل، واجعل تحت الستر ما ترضى به عنا).
مجالسة العلماء طيب، ولو كنت تاجرا ما اخترت غير الطيب، إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه، فاعلم وعِ:
ثالثا: خدمة من هم دونك علما ومرتبة وقدرا ومجالستهم ومؤاكلتهم وشعارك: مسكين بين ظهراني مساكين، فمن وضع نفسه دون قدره رفعه الناس فوق قدره.
رابعا: النظر إلى من هم فوقك علماً ومنزلة وعملا ورأياً وتفكيرا ( إن أعجبت بعقلك ففكر في كل فكرة سوء تحل بخاطرك فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ، وإن أعجبت برأيك فتـفكر في سقطاتك فاحفظها ثم أنظر إلى من هو أعلى منك رأيا، وإن أعجبت بعلمك فاعلم أنه هبة من الله وانظر إلى من هو أعلى منك علماً وفوق ذي كل علم عليم.
خامسا: تأمل عيوب نفسكم ثم جد في محاسبتها أولاً بأول وأنت أعرف بنفسك، ( كل منا يصف أواني بيته ومحتوياته ورب البيت أدرى بما فيه وأهل مكة أدرى بشعابها والصيرفي أعرف بنقد الدينار )، ( إن خفيت على المرء عيوبه حتى ضن ألا عيب فيه فليعلم أن مصيبته إلى الأبد وأنه أتم الناس نقصا وأعظمهم عيوبا وأضعفهم تميزا –كما يقول ابن حزم- فالعاقل من ميز عيوب نفسه وجاهدها وسعى في قمعها والأحمق من جهل عيوب نفسه ).
وأحمق منه من يرى عيوبه خصالاً يعجب بها . من أنت؟ هل أنت إلا عبد مكلف موعود بالعذاب إن قصر مرجو بالثواب إن ائتمر مؤلف من أقذار مشحون بأوضار سائر إلى جنة إن أطاع وإلا نار – أجارك الله من النار -.
كيف يزهو من رجيعه .......... أبد الدهر ضجيعه
وهو منــه وإليــه .......... وأخوه ورضيعه
وهــو يدعــوه ............. إلىالحش بصغر فيطيعه
لو فكر الناس فيما في بطونهم ........ ما استشعر العجب شبان ولا شيب
هل في ابن آدم غير الرأس مكرمة ... وهو ببضع من الآفات مضروب
انف يسيل وأذن ريحها سهك ........ والعين ممرضة والثغر ملعوب
يابن التراب ومأكول التراب غدا .... أقصر فإنك مأكول ومشروب
وأتم الناس أعرفهم بنفسه كما قيل:
سادسا: اجلس دائما حيث ينتهي بك المجلس فذلك أدعى لكسر نخوة النفس وعجبها واتباع للسنة وأنعم بها خلة.
إذا لم يكن صدر المجالس سيدا ........ فلا خير فيمن صدرته المجالس
سابعا: إن التعويل على رحمة الله لا على العمل فحسب يقول صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري : (( لن ينجى أحداً منكم عمله،قالوا: ولا أنت يا رسول الله ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).
ثامنا: تعويد النفس علىالفرار من الشرف حتى تعتاده فمن فر منه وهب له ومن تواضع لله رفعه ومن تكبر وضعه .
يقول المدائني: رأيت رجل من باهلة يطوف بين الصفا والمروة على بغلة في تيه وعجب ثم رأيته في سفر يمشي راجلا متعبا منهكاً يحمل متاعه على ظهره فقلت له: أراجل في هذا الموضع وأنت من يطوف بالبغلة بين الصفا والمروة! قال: نعم ركبت حيث يمشي الناس فكان حقا على الله أن أمشي حيث يركب الناس ومن تواضع لله رفعه.
تاسعا: الاستعانة بالله واللجوء إلى الله أن يطهرك من هذه الآفة ومن استعان بالله أعانه الله.
فسل العياذ من التكبر والهوى ........ فهما لكل الشر جامعتان
وهما يصدان الفتى عن كل طرق .... الخير إذ في قلبه يلجان
والله لو جردت نفسك منهما لأتت ... إليك كل وفود كل تهاني
ومن استعان بالله أعانه الله.
عاشرا: المجاهدة: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69) .
حادي عشر: أحذر أنا، لي ، عندي.
يقول ابن القيم : ( وليحذر كل الحذر من طغيان أنا ولي وعندي فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلى بها إبليس، وفرعون، وقارون، فأنا خير منه لإبليس، ولي ملك مصر لفرعون، وإنما أوتيته على علم عندي لقارون، وأحسن ما وضعت أنا في قول العبد أنا العبد المذنب المخطئ المستغفر ونحوه، ولي في قوله لي الذنب ولي الجرم ولي المسكنة ولي الفقر والذل وعندي في قوله : أغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي وكل ذلك عندي.
ثاني عشر: إذا أعجبت بمدح إخوانك ففكر في ذم أعدائك إياك، فإن لم يكن لك عدو فوالله لا خير فيك فلا منزلة أسقط من منزلة من لا عدو له فليست إلا منزلة من ليس لله عنده نعمة يحسد عليها عافانا الله اياكم – كما يقول ابن حزم رحمه الله- .
ثالث عشر: التدبر والنظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعدهم ففيهما لمن تدبر عظة وذكرى، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم وخير من دب على الثرى وهو الأسوة أنه كان يجلس على الأرض. ويأكل على الأرض . ويعتقل الشاة . ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار. ويقول: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، ويقف بين يديه رجل يرعد كما ترعد السعفة فيقول : هون عليك فإنما انا إبن إمرأة من قريش كانت تأكل القديد . يمر بالصبيان ويسلم عليهم.
قسم التواضع في الأنام جميعهم ........ فذهبت أنت فقدته بزمامه
صلوات الله وسلامه عليه، يقول أنس: إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت. كان يكون في مهنة أهله فإذا حضر وقت الصلاة خرج إلى الصلاة . كان يخيط ثوبه ويخصف نعله . ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم. وإذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده . لا يأنف صلى الله عليه وسلم أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة، وكان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم . ويعود مرضاهم. ويشهد جنائزهم يدعونه إلى خبز الشعير فما يردهم كما ثبت ذلك كله عنه .
فكل فعل كريم كان فاعله ........ يحي القلوب ويحي ميت الهمم
صلوات الله وسلامه عليه :
يلين لكل ذي ضعف وعجز ....... وكم لان لذي جهل فلانا
رسول يحمل الأطفال لطفا ........ ويجعل عاتقيه لهم حصانا
ويختصر القراءة حين يبكي ...... صبي والموفق من ألانا
يلاطف أهله أكرم بزوج ......... يعف الأهل يغمرهم حنانا
يقاسمهم متاعبهم معينا ........... ويخدمهم فكم وضع الجفانا
فكم خصف النعال وخاط ثوبا ... وكم من شأنه ملأ الجفانا
زعيم القوم خادمهم فطوبى ....... لمن خدم الرعية أو أعانا
تشبه بالرسول تفز بدنيا ......... وأخرى والشقي من استهانا
فأخلاق الرسول لنا كتاب ........ وجدنا فيه أقصى مبتغانا
وعزتنا بغير الدين ذل ........... وقدوتنا شمائل مصطفانا
صلوات الله وسلامه عليه :
ويأتي من بعده كوكبة من أتباعه الذين رباهم صلوات الله وسلامه عليه لينهجوا نهجه ويستنوا بسنته فإذا أنت بخير من دب على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين: أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه يبعث وينفذ جيش أسامة ضاربا بكل مثبط عرض الحائط ليخرج في وداعه ما شيا وأسامة راكب يقول أسامة : يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن فيقول: والله لا ركبت ولا نزلت وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة فإن شئت أن تعينني بعمر بن الخطاب فافعل ثم يقولها أخرى : لو يعلم الناس ما أنا فيه أهالوا عليَّ التراب.
عضب العزيمة في المكارم لم يدع .............. في يومه شرفا يطالبه غدا
وروى الفاروق:
( أنه لقيه أحد الصحابة وهو يحمل قربة على عاتقه فقال له يا أمير المؤمنين أغناك الله وأرضاك وخولك وأعطاك فما يحملك على ما أنت فيه قال: إن ما تقوله حق لكن لما جائتني الوفود سامعة مطيعة دخلتني نخوة فأردت أن أكسر تلك النخوة في قلبي ثم مال بالقربة إلى حجرة أرملة من النصار فأفرغها في جرارها.
فمن يباري أبا حفص وسيرته ......... ومن يحاول لفاروق تشبيها
ثم ينادي عمر يوماً : الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس وكثروا قالوا: الأمر خطب عظيم. صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال: (أيها الناس لقد رأيتني وأنا أرعى غنيمات لخالات لي من بني مخزوم على قبضة من تمر أو قبضة من زبيب فأظل يومي وأي يوم وأستغفر الله لي ولكم ثم نزل من على المنبر فقال ابن عوف رضي الله عنه : ويحك يا أمير المؤمنين ما زدت على أن قمئت نفسك وعبتها أمام الرعية فقال: ويحك يابن عوف لقد خلوت بنفسي فحدثتني وقالت : أنت أمير المؤمنين من ذا أفضل منك فأردت أن أذلها وأعرفها قدرها ).
كذلك أخلاقه كانت وما عهدت .......... بعد أبي بكر أخلاق تحاكيها
لعل في أمة الإسلام نابتة ............... تجلو لحاضرها مرآة ما ضيها
وأخرج أبو نعيم في الحيلة عن الحسن قال: رأيت عثمان رضي الله عنه نائما في المسجد في ملحفة ليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين .
ظهر الحيا وانهل ذاك البارق .......... ونداك فياح ومجدك سابق
وتقسم الناس الحياء مجزءاً ............ فذهبت أنت برأسه وسنامه
رضي الله عن عثمان وعن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويخرج ابن عساكر عن زاذان أن عليا رضي الله عنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو خليفة يرشد الضال وينشد الضال ويعين الضعيف ويمر البياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويرد في (صفوة الأخبار) أنه اشترى لحما بدرهم فحمله في ملحفة فقال له رجل أحمل عنك يا أمير المؤمنين قال: لا أبو العيال أحق أن يحمله، (ما تواضع أحد الله إلا رفعه).
فرعا سما في سماء العز متخذا ........ أصلا ثوى في قرار المجد مغروسا
وخالد ...ما خالد؟! أعني ابن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، ما هزم في جاهلية ولا إسلام، وهو في اوج انتصاراته ( يأتيه خبر عزله من قبل أمير المؤمنين عمر عن قيادة الجيش لمصحة رآها أمير المؤمنين فيقول خالد : والله لو ولىّ عليَّ أمير المؤمنين عمر عبداً أسود اللون لسمعت له وأطعت ما دام يقودني بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم) .
لانت مهزَّته فعزّ وإنما ............ يشتد بأس الرمح حين يلين
وقيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: لو أوصيت بدفنك بجوار عمر رضي الله عنه في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: والله لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أحب إليَّ من أن أرى نفسي أهلا لتلك المنزلة، (اللهم إن عمر ليس أهلاً لأن ينال رحمتك لكن رحمتك أهل أن تنال عمر).
ينسى صنائعه والله يظهرها ........... إن الكريم إذا أخفيته ظهرا
ويأتيك الإمام مالك يبرق بثوب التواضع يرفل عزا فيقول: ما رأيت مسلما إلا ظننت أنه خير مني .
وكذا السحائب قلما تدعو إلى ........... معروفها الرواد إن لم تبرق
واسمع إلى ابن القيم وهو يحدث عن شيخه ابن تيمية رحمه الله فيقول: كان كثير ما يردد مالي شيء ما مني شيء ولا في شيء أنا المكدّي وابن المكدّي وهكذا كان أبي وجدي ويكتب بخط يده :
أنا الفقير إلى رب البريات .............. أنا المسكين في مجموع حالاتي
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي .......... والخير إن ياتينا من عنده يأتي
لا أستطيع لنفسي جلب منفعة ........... ولا عن النفس لي دفع المضرات
والفقر لي وصف ذات لا زم أبداً ....... كما الغني أبدا وصف له ذاتي
وهذه الحال حال الخلق أجمعهم ......... وكلهم عنده عبد له آتي
يثني عليه في وجهه فيقول: والله إني لإلى الآن أجدد إسلامي في كل وقت وما أسلمت بعد إسلاماً جيدا رحمه الله .
كأن القائل يعنيه حين قال :
فصعدت في درج العلا حتى إذا ........ جئت النجوم صعدت فوق الفرقد
على هذا سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحون من بعدهم لم يتسلل العجب إلى نفوسهم ولم يدخل الغرور إلى قلوبهم تواضعوا لله فرفعهم الله في الدنيا وفي الآخرة يكرمهم بإذن الله ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (الأنعام:90)
بتـنا نعيش على كرام فعالهم ........... هيهات ليس الحر كالمستعبد
اين الجبال من التلال أوالرَُبا .......... أين القوي من الضعيف المقعد
لا القوم منا لا ولا أنا منهم ........... إن لم أفقهم في العلا والسؤدد
إن عد قوم في التقى كانوا أئمة ....... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بُعد غايتهم .......... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت ........ والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
إلى من عمى في شمس نهاره، وعثر في ذيل اغتراره، وسقط سقوط الذباب على الشراب، وتهاتف تهاتف الفراش على الشهاب إن العجب أكذب ومعرفة النفس أصوب- كما قيل- ولا شيء والله أنفع لها من الافتـقار إلى باريها .
بقدر الصعود يكون الهبوط ........... فإياك والنفخة العاتية
وكن في مكان إذا ما وقعت .......... تقوم ورجلاك في عافية