خلقت الملائكة من نور، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، وكان خلقهم متقدما على خلق البشر، كما دلّ على ذلك ما قصه القرآن علينا من قصة خلق آدم عليه السلام، قال تعالى :} وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة { (البقرة:30). فالآية واضحة الدلالة على أن وجود الملائكة سابق لوجود البشر .
وتشير النصوص إلى عظم خلق الملائكة من حيث الجملة، كما في وصف الملائكة الموكلة بالنار:} غلاظ شداد { (التحريم: 6). وقال تعالى في وصف جبريل عليه السلام: } ذي قوة { (التكوير : 20) .
وقال صلى الله عليه وسلم في وصف جبريل أيضاً: ( رأيته منهبطاً من السماء، سادًا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض ) رواه مسلم .
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم أحد حملة العرش، فقال: ( أذن لي أن أحدث عن أحد حملة العرش، ما بين شحمة أذنه وعاتقه، مسيرة سبعمائة عام ) رواه أبو داود وصححه الحافظ ابن حجر .
وهم على عظم خلقهم لا يأكلون ولا يشربون، ولهم قدرة على التشكل، كما دلت على ذلك قصة إبراهيم مع الملائكة، عندما أتوه في صورة شبان، فقدم لهم الطعام، فلم يأكلوا، قال تعالى:} هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم { ( الذاريات : 24-28).
ومما يدل على ذلك أيضا، مجيئهم لوطاً عليه السلام في صورة شبان حسان الوجوه، قال تعالى } ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب } (هود:77)، ومجيء جبريل عليه السلام إلى مريم عليها السلام في صورة بشر، قال تعالى:} فتمثل لها بشرا سويا { (مريم : 17) .
وكذلك كان جبريل عليه السلام يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة الصحابي دحية الكلبي ، كما في صحيح مسلم ، وفي صورة أعرابي، كما في حديث جبريل المشهور في صحيح مسلم .
ووصفهم الله سبحانه بأنهم:} أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع { (فاطر:1), ومن صفاتهم الخَلقية أنهم لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، فمن وصفهم بالأنوثة من غير جهل فقد كفر؛ لتكذيبه القرآن في نفي ذلك، قال تعالى:{ أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما }(الإسراء:40)، ومن وصفهم بالذكورة، فقد جاء بدعا من القول وزورا، لإثباته ما لم يثبت شرعا، ونفي أن يكونوا إناثا لا يلزم أن يكونوا ذكورا، فإن الملائكة خلق يختلف عن خلق الإنس والجن .
وأما صفاتهم الخُلُقية، فهم من أعظم الخلْق خُلقاً، فقد وصفهم الرب سبحانه بأنهم:} كرام بررة {(عبس:16)، ووصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأوصاف ذاتها حين قال
الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ... ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح .
ومن صفاتهم: أنهم معصومون من الذنوب والمعاصي لا يقربونها، قال تعالى:{ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }(التحريم:6). وهم مع عصمتهم من الذنوب والمعاصي دائمو الطاعة لله سبحانه، قال تعالى: { يسبحون الليل والنهار لا يفترون }(الأنبياء:20).
ومن أخلاقهم الحياء، ففي الحديث أن أبا بكر و عمر رضي الله عنها، دخلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو كاشف فخذه، فلم يسترها، فلما دخل عثمان جلس النبي صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، فسألته عائشة رضي الله عنها عن ذلك، فقال
ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ) رواه مسلم .
ومن صفاتهم أيضا أنهم يتأذون من الروائح الكريهة، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها، فقال: ( من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس ).
وأما عددهم فلا يعلمه إلا الله سبحانه، حيث ردّ علم ذلك إلى نفسه، فقال:} وما يعلم جنود ربك إلا هو { (المدثر:31).
وجاء في صفة البيت المعمور أنه: ( يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه آخر ما عليهم ) رواه مسلم .
وعدّ صلى الله عليه وسلم الملائكة الذين يأتون بجهنم بأربع مليار وتسعمائة مليون ملك، كما دل على ذلك حديث : ( يؤتي بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك ) رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوما: ( إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء وحُقَّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتكم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ) رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني ، فهذه الأحاديث وغيرها تدل على كثرة عدد الملائكة ، وأنه لا يحصي عددهم إلا الله ، فليس أمام المسلم أمام هذا الملكوت العظيم، إلا أن يسبح الله بحمده، ويسأله عفوه ولطفه على التقصير والتفريط .
أعمال الملائكة
وصف الله أعمال بعض الملائكة بقوله:} فالمدبرات أمرا { ( النازعات : 5) قال الحسن : "هي الملائكة تدبر الأمر من السماء إلى الأرض" ، وقال تعالى :} فالمقسمات أمرا { ( الذاريات : 40) جاء في تفسيرها: هي الملائكة تقسم الأعمال عليها، من الخصب والجدب والمطر والموت والحوادث .
وقد ذكر الله تعالى بعض الأعمال التي كلف بها ملائكته، فمن ذلك قوله تعالى } له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله {( الرعد : 11)، فهذه ملائكة تحفظ الإنسان من الشرور بأمر الله سبحانه، حتى إذا جاء القدر خلو عنه، وقال سبحانه } وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون { (الأنعام:61) فذكر في هذه الآية أن الملائكة هي التي تتولى نزع روحه .
ومن ذلك أن الملائكة هم من يحملون عرش الرحمن سبحانه، قال تعالى: { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم }(غافر:7) .
ومن أعمال الملائكة الاستغفار للمؤمنين، قال تعالى: { ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم }( غافر:7) .
وجاء في السنة ما يدل على عناية الله بالإنسان في بدء تكوينه وتخلقه في الرحم، فقد روى البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إن الله عز وجل وكَّل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه، قال : أذكر أم أنثى ؟ شقي أم سعيد ؟ فما الرزق والأجل ؟ فيكتب في بطن أمه ).
وجاء في السنة أيضا أن الله وكل ملائكة بتصوير الأجنة في أرحامها، ونفخ الروح فيها، فعن حذيفة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إذا مرّ بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكا فصورها، وخلق سمعها، وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها ) رواه مسلم .
ومن أعمال الملائكة كتابة وإحصاء أعمال المكلفين من خير أو شر، قال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }(ق:18)، قال تعالى: {كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون }(الانفطار:11-12).
ومن الأحاديث ما يدل على أن من الملائكة من هو موكل بتتبع حِلَقَ الذِّكْر، فقد روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر. فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم ).
ودلت الأحاديث على أن من الملائكة من يجاهد مع المؤمنين، قال تعالى: { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين }(الأنفال:9)، قال الربيع بن أنس : "كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة – أي الذين قتلتهم الملائكة من الكفار - من قتلى الناس، بضرب فوق الأعناق، وعلى البنان، مثل: وسم النار " رواه البيهقي .
ودلت الأدلة على أن الملائكة تشفع يوم القيامة في المذنبين من الموحدين، قال تعالى: { وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى }(النجم:26)، ففي الحديث: ( فتشفع الملائكة والنبيون والصديقون ) رواه ابن حبان .
ومن الأحاديث ما يدل على أن من الملائكة من هو موكل بحفظ الأماكن المقدسة من الدجال ، كما روى البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها .. ).
ومن الأحاديث ما يدل على أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة، فعن عن أبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة ) رواه أحمد .
فهذه بعض أعمال الملائكة التي ذكرت في الكتاب والسنة دون تعيين أصحابها من الملائكة.
وفي المقابل ورد في الكتاب والسنة ذكر أعمال معينة مصرحا بأسماء أصحابها، ومن أعظم الملائكة الذين صرح الكتاب والسنة بذكرهم وذكر أعمالهم؛ جبريل عليه السلام أمين الوحي، وميكال أمين القطر، وكلاهما موكل بالحياة فجبريل موكل بحياة القلوب، وميكال موكل بحياة الأبدان، وبهما ( الوحي والقطر ) تقوم الحياة وتنعم البشرية، قال تعالى:} من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين { (البقرة:98) .
وممن ورد ذكره في القرآن مصرحا باسمه مالك خازن النار، قال تعالى: } ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون{ (الزخرف:77) .
ومن الملائكة الذين صرح القرآن بأسمائهم ( هاروت وماروت ) عليهما السلام، قال تعالى: } وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت { (البقرة: 102).
وقد ذكر في السنة بعض أسماء الملائكة وأعمالهم، فممن صرحت السنة باسمه، إسرافيل عليه السلام وهو الموكل بالنفخ في الصور، فقد روى أحمد و الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كيف أنعم ؟ وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته، وانتظر أن يؤذن له . قالوا : كيف نقول يا رسول الله ؟ قال قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا )، وقد ورد في رواية التصريح بأن ( إسرافيل هو صاحب الصور ) .
وممن ذكر اسمه في السنة المطهرة أيضاً منكر ونكير عليهما السلام، وهما الملكان الموكلان بسؤال العبد في قبره وقد ورد ذكرهما عند الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا قبر أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير .. ).
وقد اشتهر على ألسنة الناس أن اسم ملك الموت عزرائيل، وهذا التسمية – كما يقول العلماء - لم ترد في حديث صحيح، وقد ذكره الله تعالى بوظيفته لا باسمه، فقال سبحانه:{ قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم .. } ( السجدة:11 )
فهذه بعض أعمال الملائكة التي وردت في الكتاب والسنة ، وهي تدل - كما يقول ابن القيم - على " أن الله سبحانه وكل بالعالم العلوي والسفلي ملائكة، فهي تدبر أمر العالم بإذنه ومشيئته وأمره، فلهذا يضيف التدبير إلى الملائكة تارة؛ لكونهم هم المباشرين للتدبير، كقوله:} فالمدبرات أمرا { ، ويضيف التدبير إليه، كقوله: } إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر } ، فهو المدبر أمرا وإذنا ومشيئة، والملائكة المدبرات مباشرة " .