الموضوع: تحليل القتل
الكاتب: أ. د / علي جمعة
الشبهة:
إن فى القرآن شريعة القتال من أجل إسلام الأُمم . وهذا يُعدّ إكراهاً للناس على قبول الدين بالسيف .
الرد على الشبهة :
إن إبراهيم - عليه السلام - كان يدعو إلى الله ، ومن يستجيب له يكون مساوياً لجميع المؤمنين بالله . ومن لا يستجيب له ويصد عن سبيل الله ؛ كان يحاربه ، وإبراهيم هو أب اليهود والنصارى والمسلمين . ففى سفر التكوين : " بعد هذه الأمور صار كلام الرب إلى أبرام فى الرؤيا قائلاً : لا تخف . أنا تُرس لك ، أجرك كثيرًا جدًا " [تك 1:15] أى حارب أعداء الله وأنا أحميك كما يحمى الترس الجندى من ضربات السيوف . وفى سفر الزبور نبوءة صلى الله عليه وسلم ومن أوصافه فيها : " أما أنت يا رب فترس لى ، مجدى ورافع رأسى . . " [مز: 3] ويقول النصارى إن نبوءة عن المسيح , وهم يعلمون أن المسيح لم يحارب ولم يفتح بلادا ً. وفى هذه النبوءة يصرخ النبى إلى الله أن ينصره ، وقد أجابه من جبل قدسه " بصوتى إلى الرب أصرخ فيجيبنى من جبل قدسه " وجبل قدسه فى مكة المكرمة .
وفى التوراة أنه لا يحل لليهود أن يملك عليهم وثنى. فلو فرضنا أن ملكاً وثنياً قصد ديارهم وملك عليهم ؛ تفرض أنهم مأمورون بقتاله ، ذلك قوله : " لا يحل لك أن تجعل عليك رجلاً أجنبيًّا ليس هو أخاك " [تث 15:17] وفى التوراة : " إذا خرجت للحرب على عدوك ، ورأيت خيلاً ومراكب قوماً أكثر منك ؛ فلا تخف منهم ؛ لأن معك الرب إلهك" [تث 20: 1] وهو معهم إذا كانوا يحاربون من أجل دينه ، ونبذ عبادة الأوثان . وذلك لأن داود - عليه السلام - وهو يحارب جالوت ؛ قال له : ´فتعلم كل الأرض أنه يوجد إله لإسرائيل ، وتعلم هذه الجماعة كلها
أنه ليس بسيف ولا برمح يخلّص الرب ؛ لأن الحرب للرب وهو يدفعكم ليدنا " [صموئيل الأول 17: 4647].
وفى سفر المكّابيين الثانى فى قصة الأم وأولادها السبعة أنها كانت تحرض أولادها على الشهادة فى سبيل الله . ومن كلامها : " لا أعلم كيف نشأتم فى أحشائى . فأنا لم أمنحكم الروح والحياة ، ولا أنا كونت أعضاء جسد كل واحد منكم ، بل الذى فعل ذلك هو خالق العالم . فهو الذى جبل الإنسان وأبدع كل شىء . وهو لذلك سيعيد إليكم برحمته الروح والحياة . لأنكم الآن تضحون بأنفسكم فى سبيل شريعته " [2مك 7: 2223] . وفى إنجيل لوقا : أن المسيح أرسل تلاميذه إلى مدن بنى إسرائيل وأمرهم أن لا يحملوا زاداً ولا مالاً ولا يلبسوا أحذية . وأن يبشروا باقتراب ملكوت الله . فلما رجعوا " قال لهم : حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية . هل أعوزكم شىء ؟ فقالو ا: لا . فقال لهم : لكن الآن من له كيس ؛ فليأخذه ، ومزود كذلك. ومن ليس له فليبع ثوبه ، ويشتر سيفاً " [لو 22: 3536] فقد أمرهم بشراء السيوف للحرب . وما يزال النصارى إلى هذا اليوم يحاربون أعداءهم .
وفى إنجيل متى يقول المسيح : " سمعتم أنه قبل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم : لا تقاوموا الشر . بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً " [متى 5: 3839].
يريد أن يقول : إن التوراة مكتوب فيها العين بالعين والسن بالسن [خر 21: 24] وأنا أقول لكم : " لا تقاوموا الشر " فى هذا الزمان الفاسد الذى ليس فيه قاضٍ عادل ولا ملك منصف . كما قال صاحب سفر الأمثال فى زمانه : " لا تقل كما فعل بى هكذا افعل به. أرد على الإنسان مثل عمله " [أم 24: 29] فهو وصاحب سفر الأمثال لم يخالفا شريعة موسى فى أوقات العدل . وهما ينصحان أنه إذا عم الظلم . فإنه يجب على المظلوم أن يفوض أمره إلى الله . وقد وافق هو النبى إشعياء ومؤلف سفر مراثى إرمياء على قولهما فى أيام الفساد واشتداد الظلم : " من لطمك على خدك الأيمن ، فحول له الآخر أيضاً " وهذا يدل على أنه فى إرشاداته ونصحه لم يأت بجديد ، مع قوله : " ما جئت لأنقصن الناموس أو الأنبياء " [متى 5: 17].
ففى سفر إشعياء : " بذلت ظهرى للضاربين ، وخدى للناتفين . وجهى لم أستر عن العار والبصق " [إش 50: 6] وفى سفر المراثى : " يعطى خده لضاربه ، يشبع عارا " [مرا 3: 30].