هكذا نستقبل العام الجديد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فإنّ الليالي والأيام والشهور والأعوام تمضي سريعا وتنقضي سريعا هي محط أعمالنا ومقادير آجالنا.
وفي نهاية عام وفي بداية آخر حبذا أن يقدم الإنسان لنفسه توبة ناصحة ورجعة صادقة يغسل بها ما مضى ويستقبل بها ما أتى قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور: من الآية 31]، .وقال: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} [سورة طه: الآية 82].
قطعت شهور العام لهوا وغفلة *** ولم تحترم فيما أتيت المحرما
فلا رجبا وافيت فيه بحقه *** ولا صمت شهر الصوم صوما متمما
ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي *** مضى كنت قواما ولا كنت محرما
فهل لك أن تمحو الذنوب بعبرة *** وتبكي عليها حسرة وتندما
وتستقبل العام الجديد بتوبة *** لعلك أن تمحو بها ما تقدما
أيها الإخوة:
لقد فاضل الله بين الأوقات فجعل منها مواسم للخيرات ليجتهد النّاس فيها بسائر الطاعات وأنواع العبادات.
ومن هذه الأزمنة الفاضلة التي أشار القرآن إلى عظيم منزلتها وأظهرت السنة علو مكانتها شهر الله الحرام وسوف أتحدث عن فضله ومكانته في ضوء فضل الشهر عامة وفضل عاشوراء خاصة:
الأولى: لماذا سمي محرم
يقول المؤرخون إنّ أول من سمى الأشهر العربية بهذه الأسماء هو كلاب الجد الخامس لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في عام 412هـ تقريبا. وشهر محرم سمي بذلك لأنّه شهر محرم فيه القتال وسمي بذلك تأكيدا لحرمته.
الثانية: فضل شهر الله المحرم
1- أنّه من الأشهر الحرم:
قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [سورة التوبة: من الآية 36]. ومحرم من الأشهر الحرم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» [رواه البخاري].
قال قتادة ـ رحمه الله ـ في تفسير الآية: "اعلموا أنّ الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا فيما سوى ذلك و إن كان الظلم في كل حال غير طائل ولكن الله تعالى يعظم من أمره ما يشاء ربنا تعالى".
ويقول القرطبي ـ رحمه الله ـ: "خص الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها".
2- إضافته هذا الشهر إلى الله:
لقد عظم الله هذا الشهر فأضافه إلى نفسه إضافة تشريف وتعظيم وهذا يدل على مكانته وعلو منزلته.
قال الإمام ابن رجب ـ رحمه الله ـ: "وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله؛ فإنّ الله تعالى لا يضيف إليه إلاّ خواص مخلوقاته".
3- فضل صيامه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم» [رواه مسلم].
شهرُ الحرامِ مباركٌ ميمون *** والصومُ فيه مضاعفٌ مَسنونُ
وثوابُ صائمه لوجه إِلهه *** في الخُلد عند مَليكه مخْزُونُ
قال أبو عثمان النهدي ـ رحمه الله ـ: "كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم".
4- فضل صيام عاشوراء وفيه مسائل:
- عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم كما قال القرطبي وغيره.
- كان صيام عاشوراء مفروض على الأمة في صدر الإسلام قال ابن عباس رضي الله عنهما: «قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا ؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال : فأنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه» [رواه البخاري]. وهذا يدل على فضله حيث كان يصومه اليهود كما في هذا الحديث بل في رواية أخرى حتى أهل الجاهلية كانوا يصومون هذا اليوم كما في البخاري ومسلم.
فلما فرض رمضان نسخ فرضه وبقي استحبابه.
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "نقل ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ الإجماع على أنّه الآن ليس بفرض، والإجماع على أنّه مستحب".
- فضل صيامه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صيام عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» [رواه مسلم].
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن صيام يوم عاشوراء فقال: «ما علمت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يطلب فضله على الأيّام إلاّ هذا اليوم ولا شهرا إلاّ هذا الشهر يعني رمضان». [رواه البخاري ومسلم].
وفي رواية الطبراني رحمه الله: «إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتوخى فضل يوم على يوم بعد رمضان إلا عاشوراء» [صححه الألباني في صحيح الترغيب].
- كيفية صيامه:
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "صيام عاشوراء ثلاث مراتب: أدناها أن يصام وحده. وفوقه: أن يصام التاسع والعاشر. وفوقه:أن يصام التاسع والحادي عشر أي مع العاشر".
ودليل المرتبة الأولى: فضل صيام اليوم العاشر مطلقا دون ذكر لصيام يوم قبله أو بعده..
ودليل المرتبة الثانية: قول النبي صلى اله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» [رواه مسلم].
ودليل المرتبة الثالثة: «خالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده» [رواه البيهقي وسنده ضعيف].
قال ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ: "وأمّا إفراد التاسع فمن نقص في فهم الآثار وعدم تتبع ألفاظها وطرقها وهو بعيد من اللغة والشرع".
كتبه/ د. راشد بن معيض العدواني
عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام / فرع المدينة النبوية
منقووول