ذكر أهل التواريخ أن إبراهيم انطلق بزوجته سارة وابن أخيه لوط فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين وهي بلاد بيت المقدس، فنزلوا حران وكان أهلها يعبدون الكواكب السبعة، فقام الخليل إبراهيم عليه السلام يدعو قومه إلى دين الله وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وكان أول دعوته لأبيه ءازر الذي كان مشركًا يصنعُ الأصنام ويعبدها ويبيعها للناس ليعبدوها فدعاه إلى عبادة الله وحده وإلى دين الحق والإسلام بألطف عبارة وبأحسن بيان وبالحكمة والموعظة الحسنة، قال الله تبارك وتعالى في مُحكم تنزيله : . ذكر الله تبارك وتعالى في هذه الآية ما كان جرى بين إبراهيم وأبيه من المحاورة والجدال في دعوته إلى عبادة الله وحده، وكيف دعا أباه إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، وبيّن له بُطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ولا تبصر مكانه، فكيف تغني عنه شيئًا أو تفعل به خيرًا من رزق أو نصر فهي لا تضر ولا تنفع، وأعلمه بأن الله قد أعطاه من الهدي والعلم النافع فدعاه لإلى أتباعه وإن كان أصغر سنا من أبيه لأن أتباعه ودخوله في دين الإسلام وعبادة الله وحده هو الطريق المستقيم السوي الذي يفضي به إلى الخير في الدنيا والآخرة.
ثم بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه أنه بعبادته للأصنام يكون مُنقادًا للشيطان الخبيث الفاجر الذي لا يحب للناس الخير بل يريد لهم الهلاك والضلال ولا يستطيع أن يدفع عنه عذاب الله ولا أن يرد عنه عقوبته وسخطه.
لم يقبل ءازر نصيحة نبي الله إبراهيم عليه السلام ولم يستجب لدعوته بل استكبر وعاند وتوعد وهدد ابنه إبراهيم بالشر والرجم والقتل وقال له ما أخبرنا الله تعالى عنه في القرءان الكريم: فعندها قال له إبراهيم ما حكا الله عنه : . ومعنى قوله: أي سأطلب من الله أن يغفر لك كفرك بالدخول في الإسلام ولسي معناه إني أطلب لك باللفظ كما يستغفر المسلم للمسلم بقوله : الله يغفر لك أو أستغفر الله لك، ومعنى قوله : أي لطيفًا يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له ولهذا قال ما حكاه الله عنه في كتابه العزيز : ، وقد استغفر إبراهيم لأبيه ءازر على المعنى الذي ذكرناه سابقا كما وعده إبراهيم في أدعيته فلما تبيم له أنه عدو الله تبرأ منه كما قال الله تعالى : ، أي لما علم أنه لا يسلم بل يموت على الكفر تبرأ منه.