مقدمة أساسية: يثور التساؤل: لماذا الاهتمام بدراسة موضوع علم الأجنة؟ ونجيب فنقول.. أولا: رغبة فى زيادة الإيمان. فإن الإيمان يزداد بالعلم النافع والعمل الصالح وينقص بالجهل والمعصية. ثانياً: لأ ننا مأمورون بهذا العلم شرعاً قال تعالى:( قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدا الخلق...).(سورة العنكبوت: 20). وقال تعالى: (فلينظر الانسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب) (سورة الطارق: 5-7). ثالثاً: لأن هذا العلم من أقرب العلوم التي تثبت عقيدة البعث والحساب وانظر الى تمام الأيتين السابقتين قال تعالى: ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدا الخلق ثم الله يُنشىء النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير) (سورة العنكبوت: 20). فاستدل سبحانه وتعالى ببدء الخلق على إعادته. وقال تعالى: (فلينظر الانسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب * إنه على رجعه لقادر) (سورة الطارق: 5-.فاستدل بأول الخلق على رجعه وبعثه للحساب ولذلك قال تعالى: ( أولم يرالإ نسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هوخصيم مبين *وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي انشاها أول مرة وهوبكل خلق عليم ) (سورة يس:77- 79). فإن من بدأ شياً فهوقادر على إعادته. بل تكون إعادته أهون عليه..وكلٌ عليه هينٌ سبحانه.. يقول تعالى: ( وهوالذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهوأهون عليه....) (سورة الروم: 27). رابعاً: لأننا نحب القرآن والسنة وكل علم صحيح نافع يمكننا أن نربطه بالقرآن والسنة ففي ذلك الخير الكثير والمسلم مطالب شرعاً أن يدور في فلكهما وأن يستخرج كنوزهما وأن يربط حياته بهما. خامساً: إننا في عصر إنتشار العلوم الكونية وإنحسار العلوم الشرعية واللغوية وقد لا تستطيع أن تخاطب غير المسلمين بما في القرآن الكريم من إعجاز لغوي مفحم أوبما كان للرسول صلى الله عليه وسلم من معجزات حسية باهرة، ولكن يمكن أن تخاطبهم بلغة العلم فيكون هذا مدخلاً لإيمان بعضاً منهم أما المسلمون فيزداد إيمانهم وتثبت العقيدة في قلوبهم. 1- علم الأجنة في زمن النبوة وحتى نثبت وجه الأعجاز لهذا العلم في القرآن والسنة يجب أن نثبت أولاً أنه لم يكن هناك في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا قريباً منه ما يمكن أن تستسقى منه بالخبرة البشرية هذه المعلومات العلمية الخاصة بعلوم الأجنة والموجودة بالقرآن والسنة فلا يبقى إلا أن نسلم بهذا الوحي المعجز من الله تعالى. روى البخاري في صحيحه قال حدثنا أبونعيم، حدثنا سفيان ابن المنذر قال سمعت جابر قال: كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول. فنزل قول الهن تعالى: ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم...... ) (سورة البقرة:223). إلى هذا الحد من الجهل كانت الخلفية عن علم الأجنة إذ ما قالوه ليس له علاقة من قريب أوبعيد بأصول علم الأجنة ولا انتقال الصفات أوحدوث التشوهات الجنينية. 2- علم الأجنة في التاريخ الإنساني لقد استمرت هذه الظنون الخاطئة متداولة عند كثير من العوام والحكماء أكثر من ألف وثلاثمائة سنة بعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان الفهم أن نموالأجنة يستند إلى مبدأين: المبدأ الأول: نظرية الخلق المسبق (preformation theory ) والتي تعني أن الجنين إنما يكون على هيئته في رحم الأم من البداية ثم يكبر حتى اكتمال نموه. المبدأ الثاني: نظرية الخلق المنفرد: أي أنه إنما ينشأ من أحد الأبوين لا كليهما...والذين قالوا بهذا القول الأخير قد إنقسموا إلى فريقين:
<table style="BORDER-COLLAPSE: collapse" borderColor=#111111 cellSpacing=0 cellPadding=0 width="8%" align=left bgColor=#f0f0f0 border=0><tr><td width="100%"> [url=http://55a.net/firas/arabic/index.php] </TD></TR> <tr><td width="100%"> صورة للحيوان المنوي بداخلة جنين كما كان متخيلاً في القرن السابع عشر Moore and Persaud، 1998، Before we are born، 5th ed.، p: 9 </TD></TR></TABLE>
الفريق الأول يقول إن منشأ الجنين إنما يكون من الأم وليس للرجل دور سوى أنه يتسبب فى بدء النمو. وقد انقسم هؤلاء إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أنه ينشأ من دم الحيض.. وقد استقر هذا المبدأ عند الكثيرين قبل وبعد الإسلام بسنوات طويلة ومن العجيب أنه حتى بعض علماء الإسلام ممن ليس لهم باع طويل في التفسير الصحيح والسنة الصحيحة قد تأثروا بذلك الزعم وشاركوا فيه.. ولكن الراسخون في العلم من علماء الكتاب والسنة ردوا القول على قائله بما عندهم من العلم. قال ابن حجر: وزعم كثير من أهل التشريع أن مني الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقده وأنه إنما يكون من دم ألحيض وأحاديث الباب تبطل ذلك. (1) القسم الثاني:أن الجنين إنما هوإفراز من الرحم وأول من نادى بهذا هوالعالم هارفى 1651 حين نظر فى رحم غزالة فوجد فيها جنيناً معلقا ًبالرحم فظن أنه إفراز من الرحم. القسم الثالث: قالوا إن الجنين موجود على هيئته فى بويضة الأنثى ثم يكبر بسبب الرجل والذى نادى بهذا الرأى هوالعالم ملبيجى 1675. الفريق الثانى من علماء الغرب اعتقدوا أن الرجل هووحده مصدر الجنين ثم يكبر فى رحم المرأة وتبنى هذا الرأى العالمان هرمان ولوينهوك Herman and leeuuenhoch. وذلك بعد أن نظرا فى الحيوانات المنوية وتصورا وجود طفلاً فى رأس الحيوان المنوى ورسما لذلك رسماًُ مضحكاً بالنسبة للعلماء والعامة فى عصرنا هذا. 3- مصدر الخلايا التناسلية
<table style="BORDER-COLLAPSE: collapse" borderColor=#111111 cellSpacing=0 cellPadding=0 width="23%" align=left bgColor=#f0f0f0 border=0><tr><td width="100%"> </TD></TR> <tr><td width="100%"> يبدأ تكون الخلايا التناسلية للذكر والأنثى في الأسبوع الثالث من بدء الحمل من جدار كيس المح ثم تهاجر في رحلة تستغرق حوالي ثلاثة أسابيع لتصل في الأسبوع السادس إلى منطقة على جانبي العمود الفقري المنطقة التي تشغلها الكلى في البالغين (بين الصلب والترائب). Sadler، Langman's Medical Embryology 10th ed.، 2006، p: 240 </TD></TR></TABLE>
حتى نتعرف من أين أتت الخلايا التناسلية التي سيجعلها الله سبباً في تكوين الجنين. ننظر في الأم والأب وقد كانا أجنة في بطون الجدات..حيث في المرحلة الجنينية تتحرك بعض الخلايا من كيس المح لتستقرعلى جانبي العمود الفقري للجنين في منطقة إلتقاء العمود الفقري بالأضلاع ( المنطقة التي تشغلها الكلى حالياً ) ثم ترحل حتى تستقر على جانبي الحوض في الأنثى وفي كيس الصفن في الذكر وتحمل معها في هذه المرحلة الأخيرة أوعيتها الدموية والليمفاوية وتغذيتها العصبية، فكلاً من المبيض والخصية يحصل على الدم من فرع من الشريان الأورطيي يخرج مقابل الفقرة القطنية الثانية كما يحصل على تغذية عصبية من الحبل الشوكي مقابل الفقرة الصدرية العاشرة القريبة من هذا المكان أيضاً، ولذلك فإن كلاً من المبيض والخصية يظل مرتبطا ً بالمكان الأول له والذي أفضل وصف له أنه يخرج من بين الصلب والترائب وصدق الله تعالى حين قال (خُلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب )(سورة الطارق: 6-7). فأشار إلى أصل المصدر في إشارة لطيفة معجزة. (2). 4 ـ النطفة
<table style="BORDER-COLLAPSE: collapse" borderColor=#111111 cellSpacing=0 cellPadding=0 width="23%" align=left bgColor=#f0f0f0 border=0><tr><td width="100%"> </TD></TR> <tr><td width="100%"> تلتقي نطفة الرجل ونطفة المرأة في الثلث الخارجي لقناة فالوب لتكون النطفة الأمشاج Moore and Persaud، 1998، Before we are born، 5th ed.، p:44</TD></TR></TABLE>
في بداية الدورة الشهرية للأنثى تبدأ بعض بويضات المبيض فى النموولكن لا يكتمل منها إلا واحدة فى اليوم الرابع عشر تقريباً من الدورة حيث تقترب من جدار المبيض فى وسط حويصلة ثم ينفجر الجزء الملاصق للجدار وتخرج البويضة محاطة بتاج بديع ( corona radiata ) ويسبقها سائل الحويصلة اللزج ليكون مشابه للبساط الذى يمهد لها الوصول لأهداب قناة فالوب والتي تتحرك هى أيضاً لإلتقاطها.(3) وفى حين تخرج بويضة واحدة منتظره الإخصاب تخرج من الرجل فى المرة الواحدة حوالى 100-200 مليون حيوان منوى تسبح فى سوائل مغذية وتتحرك بسرعة هائلة بالنسبة لطولها، حتى يقدر أنه لوكانت بطول الإنسان ونافسته فى سباق 100 متر عدولقطعت المسافة فى نصف الزمن الذى يقطعه أفضل عداء على وجه الارض...ويصل حوالى 400 من هذه الملاين الى البويضة لتقابلها غالباً فى الثلث الخارجي من قناة فالوب وبعملية معقدة جداً يتم إفراز إنزيمات معينة تساعد الحيوان المنوى غلى إختراق الطبقات المحيطة بالبويضة. 5- بدأ الخلق ينجح حيوان منوي واحد فقط في إختراق الحواجز المنيعة المحيطة بالبويضة ويدخل إلى داخل سيتوبلازم البويضة التى تسارع بإفراز إنزيمات أخرى تمنع باقى الحيوانات المنوية من إختراق البويضة.. وبذلك يتقرر هنا ثلاث قواعد هامه: القاعدة الأولى: <table style="BORDER-COLLAPSE: collapse" borderColor=#111111 cellSpacing=0 cellPadding=0 width="23%" bgColor=#f0f0f0 border=0><tr><td width="100%"> </TD></TR> <tr><td width="100%">[center] مراحل اختراق الحيوان المنوي للبويضة المخصبة Moore and Persaud، 1998، Before we are born، 5th ed.، p:37 </TD></TR></TABLE> أن الخلق يبدأ بإتحاد عنصرين من الذكر والأنثى معاً وهذه الحقيقة القرآنية جهلها علماء الغرب حتى القرن الثامن عشر فجعلوا يخبطون خبط عشواء فى نسب الجنين الى الأم فقط أوالأب فقط.. قال الله تعالى ( إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا)(سورة الإنسان:2). ولفظ النطفة فى القرآن والسنة إما تأتى مطلقة كما في قوله تعالى: (من نطفةٍ خلقهُ فقدره) (سورة عبس: 19). والإشارة هنا تكون إلى الخلق من نطفةٍ ذكريةٍ أوأنثويهٍ. أوتأتي موصوفة بأنها نطفة أمشاج كقوله تعالى ( إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا)(سورة الإنسان:2) والأمشاج أي الأخلاط أى أنها نطفة مختلطة وهذا هوالمعجز هنا أن تقترن لفظة نطفة المفردة بلفظة الأمشاج الدالة على الإختلاط وذلك للدلالة على أن هذه الخلية الواحدة ( النطفة ) إنما هي مختلطة من أكثر من مصدر والمقصود هنا من الذكر والانثى. والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا المعنى بقوله حين سأله يهودي " فقال يا محمد مم يخلق الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا يهودي من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة " مسند الإمام احمد. القاعدة الثانية: <table style="BORDER-COLLAPSE: collapse" borderColor=#111111 cellSpacing=0 cellPadding=0 width="23%" bgColor=#f0f0f0 border=0><tr><td width="100%">[center] </TD></TR> <tr><td width="100%"> يحتوي ماء الرجل على حوالي 200 مليون حيوان منوي وسوائل متعددة يشارك حيوان منوي واحد فقط في تكوين الجنين</TD></TR></TABLE> <table style="BORDER-COLLAPSE: collapse" borderColor=#111111 cellSpacing=0 cellPadding=0 width="23%" bgColor=#f0f0f0 border=0><tr><td width="100%">[center] </TD></TR> <tr><td width="100%"> تخرج البويضة من المبيض محاطة بغشاء وتاج مكون من مئات الخلايا. تشارك البويضة فقط في تكوين الجنين Moore and Persaud، 1998، Before we are born، 5th ed.، p:37 </TD></TR></TABLE> أنه ليس كل ما خرج من البويضة أومن الرجل إلى رحم المرأة يشارك في تكوين الجنين فإنه يخرج من مبيض المرأة بويضة محاطة بغشاء ويحيط بالغشاء مجموعة كبيرة من الخلايا في شكل تاج وتسبح في سائل جيلاتيني إلى أهداب قناة فالوب وأما الرجل فإنه يدفع بحوالي 200 مليون حيوان منوي لا يدخل في تكوين الجنين منها سوى حيوان منوي واحد فقط وهذه الحيوانات المنوية تسبح في سوائل تُفرز من غدد مثل البروستاتا والحوصلة المنوية حيث لا يشكل حجم الحيوانات المنوية جميعها بالنسبة للحجم الكلي لهذه السوائل أكثر من 1%. ومن الإعجاز المبهر قول الرسول صلى الله عليه وسلم " ما من كل الماء يكون الولد " صحيح مسلم- كتاب النكاح - باب العزل. وهذا القول المعجز يلخص جهود آلاف العلماء لسنوات طويلة لبيان القدر الضئيل من ماء الرجل اوماء المراة الذي يشارك في تكوين الجنين. القاعدة الثالثة: أن الجنين لا يوجد على صورته ثم يكبر ولكنه يخلق في أطوار كما قال تعالى ( ما لكم لا ترجون لله وقارا،وقد خلقكم اطوارا ) (سورة نوح:13-14). وقوله تعالى (.....يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا اله إلا هوفأنى تصرفون( (سورة الأنعام: 6). وهذه القواعد الهامة تهدم كل المعارف والظنون البشرية من عهد أرسطووحتى القرن الثامن عشر. 6- التقدير<table style="BORDER-COLLAPSE: collapse" borderColor=#111111 cellSpacing=0 cellPadding=0 width="23%" bgColor=#f0f0f0 border=0><tr><td width="100%"> </TD></TR> <tr><td width="100%"> اندماج المادة الوراثية للبويضة والحيوان المنوي فور الإخصاب </TD></TR></TABLE> ما أن يدخل رأس الحيوان المنوي إلى داخل بويضة الأنثى حتى يتضخم ويتحول إلى نواة ذكرية أولية تحتوى على 23 كروموسوم (22+Y) أو(22+X) بينما في نفس الوقت تتشكل نواه البويضة في صورة نواة أنثوية أولية (22+X) ثم تفقد كل منهما الغلاف الخاص بها وتتحد الكروموسومات الموجودة في كل منهما في نظام دقيق ليعود عدد الكروموسومات في الخلية الجديدة إلى العدد الكلى للخلية البشرية (23 زوج من الكروموسومات). وتحتوى هذه الكروموسومات على حوالي 100 ألف جين بشري يحدد إجمالي الشفرة الوراثية البشرية ويبلغ عددها حوالي 3 آلاف مليون حرف وراثي. لقد قدر الله تعالى لهذا المخلوق صفاته الوراثية وطوله ولونه وهيئته ووقدراته العلمية والجسدية والأمراض الوراثية التي قد يحملها واستعداده للإصابة بالأمراض المختلفة. لقد تم التقدير لهذا الجنين فور بدء خلقه ومن العجيب أن القرآن الكريم يوضح هذه الحقيقة المعجزة فيقول الله تعالى (من نطفةٍ خلقه فقدره) (سورة عبس: 19). فأعقب بدء الخلق (إتحاد الحيوان المنوي مع البويضة) بالتقدير ( وهواجتماع وترتيب المورثات التي تحمل الصفات الوراثية لهذا الجنين). [/size] </A> |