الرد على شبهة أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أكل طعاما ذبح على الصنم و النصب
أبو عبدالعزيز سعود الزمانان
الرد على شبهة أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أكل طعاما ذبح على الصنم و النصب :
- تعريف النصب : هي الأصنام والحجارة التي كان الكفار يذبحون عليها .
أخرج الإمام أحمد (1/190 ) قال : حدثنا يزيد حدثنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن أبيه عن جده قال
:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة هو وزيد بن حارثة فمر بهما زيد بن عمرو بن نفيل فدعواه إلى سفرة لهما فقال يا ابن أخي إني لا آكل مما ذبح على النصب قال فما رئي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أكل شيئا مما ذبح على النصب قال قلت يا رسول الله إن أبي كان كما قد رأيت وبلغك ولو أدركك لآمن بك واتبعك فاستغفر له قال نعم فأستغفر له فإنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة " .
الشبهة :
قال المبتدعة والزنادقة كيف يذبح الرسول على النصب والأصنام ، وكيف يأكل مما ذبح عليها ؟
الرد :
- أولاً : رواية ( إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ) قال : فما رؤي النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك أكل شيئاً مما ذبح على النصب ) منكرة ولا تصح .
- قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :" أخرجه الإمام أحمد ( رقم 5369) من حديث ابن عمر ، وقد رواه أيضا من حديث سعيد بن زيد بن عمرو (1648) وفيه زيادة منكرة ، وهي تتنافى مع التوجيه الحسن الذي وجه به الحديث المؤلف وهي قوله بعد ( إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ) قال : فما رؤي النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك أكل شيئاً مما ذبح على النصب وعلة هذه الزيادة أنها من رواية المسعودي وكان قد اختلط وراوي هذا الحديث عنه يزيد بن هارون سمع منه بعد اختلاطه ، ولذلك لم يحسن صنعا حضرة الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر حيث صرح في تعليقه على المسند أن إسناده صحيح ، ثم صرح بعد سطور أنه إنما صححه مع اختلاطه لأنه ثبت معناه من حديث ابن عمر بسند صحيح يعني هذا الذي في الكتاب ، وليس فيه الزيادة المنكرة ، فكان عليه أن ينبه عليها حتى لا يتوهم أحد أن معناها ثابت أيضاً في حديث ابن عمر " .
- ثانياً : حكم على هذه الزيادة بالنكارة الإمام الذهبي أيضا ، فالرواية أخرجها البزار ( 2755) والنسائي في الكبرى (8188) والطبراني (4663) وأبو يعلى (7211) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة عن أسامة بن زيد عن زيد بن حارثة قال خرجت مع رسول الله ... الحديث .
- قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (1/221-222) :" في سنده محمد – يعني ابن عمرو بن علقمة - لا يحتج به ، وفي بعضه نكارة بينة " .
- ثالثاً : وهذا العبارة منكرة :" شاة ذبحناها لنصب كذا وكذا ... " وهي نكارة بينة كما قال الذهبي ، وهذا نص في أنهم ذبحوها للنصب لا عليه فقط ، وهذه الجملة لا تحتمل ولا تليق بالنبي – صلى الله عليه وسلم – وفي سندها محمد بن عمرو بن علقمة قال فيه الحافظ :" صدوق له أوهام " وقال الجوزجاني وغيره :" ليس بقوي " [1] وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (1/221-222) :" - لا يحتج به " .
رابعاً : الرواية الصحيحة هي كما جاءت في صحيح البخاري ، قال البخاري ( 5499 ) حدثنا معلَّى بن أسد قال: حدثنا عبد العزيز يعني ابن المختار قال: أخبرنا موسى بن عقبة قال: أخبرني سالم: أنه سمع عبد الله يحدث، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه لقي زيد بن عمرو بن نُفَيل بأسفل بَلْدَحَ،- ( مكان في طريق التنعيم ، ويقال هو واد ) - وذاك قبل أن يُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقُدِّم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذُكر اسم الله عليه " .
- وقال البخاري ( 3826) حدثني محمد بن أبي بكر قال: حدثنا فضيل بن سليمان قال: حدثنا موسى بن عقبة قال: حدثنا سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:" أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولاآكل إلا ما ذكر اسم الله عليه. وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم، ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله. إنكارا لذلك وإعظاما له" .
- قال ابن بطال – رحمه الله - :" كانت السفرة لقريش فقدموها للنبي – صلى الله عليه وسلم – فأبى أن يأكل منها ، فقدمها النبي – صلى الله عليه وسلم – لزيد بن عمرو ، فأبى أن يأكل منها ، وقال مخاطباً لقريش الذين قدموها أولاً : إنا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم " ( عمدة القاري 11/540) .
- خامساً : أين ما يدل في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أكل من هذه السفرة ؟ فليس في الحديث أنه – صلى الله عليه وسلم – أكل منها، وإنما غاية ما في الحديث أن السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – ولزيد ولم يأكلا منها .
- سادساً : فهذا هو الثابت في الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – عرضت وقدمت له السفرة فامتنع أن يأكل منها ، نعم جاء عند أحمد (2/69) من طريق عفان عن وهيب عن موسى . وأخرجه أحمد (2/90) من طريق يحيى بن آدم عن زهير عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر بلفظ :" فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها ثم قال إني لا آكل ما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه " .
- فمما سبق بيانه يتضح أن رواية صحيح البخاري أن السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – فرفض أن يأكل منها ، ثم قدمت لزيد ولم يأكل منها ، فلا وجه لطعن طاعن أو لمز لامز ولله الحمد .
- ولو افترضنا صحة الرواية التي جاءت عند أحمد ، وأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قدم السفرة لزيد ، فكذلك لا يوجد دليل على أنها ذبحت على نصب أو ذبحت لصنم ، وإن كان قد يفهم منها هذا ولكنها ليست صريحة.
- سابعاً : قال الخطابي في " أعلام الحديث " 3/1657 :" امتناع زيد بن عمرو من أكل ما في السفرة إنما كان من أجل خوفه أن يكون اللحم الذي فيها مما ذبح على الأنصاب فتنزه من أكله ، وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يأكل من ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لأصنامهم ، فأما ذبائحهم لمأكلتهم فإنا لم نجد في شيء من الأخبار أنه كان يتنزه منها ، ولأنه كان لا يرى الذكاة واقعة إلا بفعلهم قبل نزول الوحي عليه ، وقبل تحريم ذبائح أهل الشرك ، فقد كان بين ظهرانيهم ، مقيماً معهم ، ولم يُذكر أنه كان يتميز عنهم إلا في أكل الميتة ، وكانت قريش وقبائل من العرب تتنزه في الجاهلية عن أكل الميتات ، ولعله – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يتّسع إذ ذاك لأن يذبح لنفسه الشاة ليأكل منها الشلو أو البضعة ، ولا كان فيما استفاض من أخباره أنه كان يهجر اللحم ولا يأكله ، وإذا لم يكن بحضرته إلا ذكاة أهل الشرك ولا يجد السبيل إلى غيره ، ولم ينزل عليه في تحريم ذبائحهم شيء ، فليس إلا أكل ما يذبحونه لمأكلتهم بعد أن تنزه من الميتات تنزيهاً من الله عز وجل له ، واختياراً من جهة الطبع لتركها استقذاراً لها ، وتقززاً منها ، وبعد أن يجتنب الذبائح لأصنامهم عصمة من الله عز وجل له لئلا يشاركهم في تعظيم الأصنام بها " .
- ثامناً : قال السهيلي :" فإن قيل : فالنبي – صلى الله عليه وسلم – كان أولى من زيد بهذه الفضيلة ، فالجواب أنه ليس في الحديث أنه – صلى الله عليه وسلم – أكل منها ، وعلى تقدير أن يكون أكل ، فزيد إنما كان يفعل ذلك برأي يراه لا بشرع بلغه ، وإنما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم ، وكان في شرع إبراهيم تحريم الميتة ، لا تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه ، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام ، والأصح أن الأشياء قبل الشرع لا توصف بحل ولا بحرمة ، مع أن الذبائح لها اصل في تحليل الشرع واستمر ذلك إلى نزول القرآن ... " .
- وقال القاضي عياض في عصمة الأنبياء قبل النبوة :" إنها كالممتنع ، لأن النواهي إنما تكون بعد تقرير الشرع ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن متعبداً قبل أن يوحى إليه بشرع من قبله على الصحيح ... " .
- تاسعاً : ومن التوجيهات كذلك كما قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :" توهم زيد أن اللحم المقدم إليه من جنس ما حرم الله ، ومن المقطوع به أن بيت محمد – صلى الله عليه وسلم – لا يطعم ذبائح الأصنام ، ولكن أراد الإستيثاق لنفسه والإعلان عن مذهبه ، وقد حفظ محمد له ذلك وسرّ به " [2].
- عاشراً : قال الذهبي – رحمه الله - :" لو افترض أن زيد بن حارثة هو الذي ذبح على النصب فقد فعله من غير أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا أنه كان معه ، فنسب ذلك إليه ، لأن زيداً لم كن معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه لنبيه ، وكيف يجوز ذلك وهو عليه السلام قد منع زيداً أن يمس صنماً ، وما مسه هو قبل نبوته ، فكيف يرضى أن يذبح للصنم ، هذا محال " .
- وقال أيضا :" أن يكون ذبح لله واتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده "[3]
- نتيجة البحث :
- 1- : ليس في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ذبح على النصب أو أكل مما ذبح على النصب ، وغاية ما في الحديث أن السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – ولزيد ولم يأكلا منها .
- 2 : الرواية التي في صحيح البخاري أن السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – فرفض أن يأكل منها ، ثم قدمت لزيد ولم يأكل منها ، فلا وجه لطعن طاعن أو لمز لامز ولله الحمد .
- 3 : جاءت رواية عند أحمد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قدم السفرة لزيد ، وامتنع زيد أن يأكل منها ، وكذلك لا يوجد أي دليل على الذبح للنصب أو للصنم ، وإن كان يفهم منها هذا ولكنها ليست صريحة .
- 4: امتناع زيد بن عمرو من أكل ما في السفرة إنما كان من أجل خوفه أن يكون اللحم الذي فيها مما ذبح على الأنصاب فتنزه من أكله ، وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يأكل من ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لأصنامهم .
- 5 : قال الذهبي – رحمه الله - :" لو افترض أن زيد بن حارثة هو الذي ذبح على النصب فقد فعله من غير أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا أنه كان معه ، فنسب ذلك إليه ، لأن زيداً لم يكن معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه الله لنبيه ، وكيف يجوز ذلك وهو عليه السلام قد منع زيداً أن يمس صنماً ، وما مسه هو قبل نبوته ، فكيف يرضى أن يذبح للصنم ، هذا محال " .
- 6 : أما ما جاء في بعض الروايات التي فيها ( إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ) قال : فما رؤي النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك أكل شيئاً مما ذبح على النصب ) وهذه الرواية منكرة ، حكم عليها بالنكارة الإمام الذهبي والإمام الألباني – رحمهما الله - .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
----------------------------------------
[1] المغني في الضعفاء ترجمة رقم 5879 .
[2] ( فقه السيرة ص 82 ) .
[3] ( سير أعلام النبلاء 1/135) .