وقد ظهرت تلك القومية - الممثِّلة للدين المحرَّف - منافسة للقوميات الأُخرى ؛
ولذا فكلمة ( يهودي ) في أي دولة أوروبية أو أمريكا - تعني ( قومية ) ، أي تقابل
كلمة ( أمريكي ، فرنسي ، بريطاني .. الخ ) ، ولا يشعر اليهود بأدنى حرج من
إظهار هويتهم ، وتعصُّبهم الأعمى لتلك الحركة الصهيونية ، وإن كان هناك مَن
يعارضها ؛ في انتظار عودة مسيحهم المنتظر !
وتنطلق تلك القومية اليهودية الصهيونية من العهد القديم (التوراة المحرفة
وأسفار الأنبياء) والكتابات الأخرى (المزامير والأمثال وأيوب .. ) ، والتلمود ،
وهو روايات شفوية تناقلتها الحاخامات ، حتى جمعها الحاخام يوضاس سنة 150م
في كتاب سماه : (المشنا) ، أي الشريعة المكررة لها في توراة موسى كالإيضاح
والتفسير ، ثم أضاف إليها يهوذا سنة 216م تدويناً وزيادات شفوية ، وقد تم شرح
هذه المشنا في كتاب سمي : (جمارا) ، ومن هذه المشنا والجمارا يتكون التلمود ،
وله منزلة مهمة جداً تزيد على منزلة التوراة المحرفة [8] .
إن الأسس النظرية لليهود تحدد تعاملهم الوحشي مع غيرهم ، ولكنهم فيما
بينهم يختلفون تماماً ؛ مصداقاً لقوله - تعالى - : ] ومن أهل الكتاب من إن تأمنه
بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك
بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون [
[آل عمران : 75] .
ومن الأسس النظرية للقومية اليهودية ما يلي :
يقول د . عبد المالك خلف التميمي عن بعض أهداف القومية اليهودية :
( بدأت فكرة الاستيطان الصهيوني في فلسطين منذ المؤتمر الصهيوني الأول الذي
عُقد في بازل في سويسرا عام 1897م ؛ حيث حدد هذا المؤتمر الأهداف
الاستيطانية - أقول : وهي من الأسس النظرية للقومية اليهودية ، التي بدأت
بالسيطرة على مراكز اتخاذ القرارات العالمية ، ثم الاستيلاء على فلسطين (مركز
الحلم اليهودي) ، واتخاذها نقطة انقضاض على العالم كله - على النحو الآتي :
1 - العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين
اليهود وفق أسس مناسبة .
2 - تنظيم اليهودية العالمية ، وربطها بواسطة منظمات محلية ودولية تتلاءم
مع القوانين المتبعة في كل بلد .
3 - تقوية الشعور والوعي القومي اليهودي وتغذيته .
4 - اتخاذ الخطوات العملية التمهيدية للحصول على الموافقة الحكومية
الضرورية لتحقيق غايات الصهيونية .
5 - جعْل اللغة العبرية لغة رسمية للتخاطب بين اليهود في جميع ربوع
العالم [9] .
6 - تعتبر الصهيونية جميع يهود العالم أعضاء في جنسيةٍ هي الجنسية
الإسرائيلية .
7 - تهدف الصهيونية إلى سيطرة اليهود على العالم ، كما وعدهم يَهْوَه [10] ،
وتعتبر المنطلق لذلك هو إقامة حكومتهم على أرض الميعاد التي تمتد من نهر
النيل إلى نهر الفرات .
8 - يعتقدون أن اليهود هم العنصر الممتاز الذي يجب أن يسود ، وكل
الشعوب الأخرى خدم لهم (نظرية نقاء النوع) .
9 - الاستعانة بالثورات والانقلابات لتحقيق أطماعهم .
10 - يرون إقامة الحكم على أساس التخويف والعنف .
11 - تسخير الحرية السياسية من أجل السيطرة على الجماهير .
12 - انتهاء سلطة الدين ، وظهور سلطة الذهب (المال) .
13 - السياسة نقيض الأخلاق ، ولا بد فيها من المكر والرياء ، أما الفضائل
والصدق فهي رذائل في عرف السياسة ؛ لذلك يغرقون غيرهم في الرذائل .
14 - بث الرعب في معارضي مؤامراتهم على العالم .
15 - استخدام الشعارات الجوفاء الخداعة (الحرية والمساواة والإخاء) .
16 - السيطرة على المال والعلم .
17 - السيطرة على الصحافة والثقافة والنشر لتوجيه العالم من خلالها .
18 - توسيع الشقة بين الحكام والشعوب ؛ لكي يلجأ إليهم الحكام للدفاع عنهم
ضد ثورات شعوبهم .
19 - جعل السلطة هدفاً مقدساً لكل القوى المتصارعة .
20 - تشكيل أندية وروابط سرية كالماسونية وأذرعها الهدامة (روتاري
وليونز .. إلخ) .
21 - إقامة مجتمعات منحلة مجردة من الإنسانية والأخلاق ناقمة على الدين .
22 - إشاعة المتناقضات وإلهاب الشهوات وتأجيج العواطف .
23 - تفكيك الأسرة ، ونفخ روح الذاتية في كل فرد ليتمرد ، والحيلولة دون
وصول ذوي الامتياز إلى الرُّتَب العالية [11] .
ثانياً : البرامج والشعارات :
تمثل البرامج ما يسعى الفرد أو الجماعة لتحقيقه ، أما الشعارات فقد تكون
كلمات نظرية لغايات معينة (غسيل مخ ، خداع ، حرب نفسية) .
ومن النظرة السريعة للقوميتين العربية واليهودية نلاحظ أن القومية العربية
سعت لتحقيق أهداف وأعلنت عن برامج - حققت الكثير منها - ولكن كل ذلك في
الاتجاه المعاكس للإسلام ، مع ملاحظة أن بعض الأسس قد استُخدمت برامج
وشعارات ، وكذلك بروز الشعارات الناصرية القومية (الشيوعية) ، التي ما زالت
تداعياتها إلى الآن ، وقد استحوذت على جانب كبير من الدعاية المكثفة ، أما القومية
اليهودية فقد حققت الكثير من برامجها وأهدافها ، وما شعاراتها إلا لخدمة الأهداف
اليهودية ، وليست للاستهلاك المحلي ، كما يقولون ، ومن هذه الشعارات :
1 - شعارات القومية العربية :
- الفكر القومي يعلو على الرابطة الدينية .
- الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج .
- القضاء على الرجعية .
- الدين لله والوطن للجميع .
- الحرية والاشتراكية والوحدة .
- القضاء على الاستعمار وأعوانه .
- إقامة جيش وطني قوي .
- معركتنا مع اليهود معركة عسكرية وضد ما يسمونه بالاستعمار ، ولا علاقة
لها بالدين .
- إزالة آثار العدوان الصهيوني على فلسطين ومصر وسورية والأردن .
- حتمية الحل الاشتراكي .
- تحالف قوى الشعب العاملة .
- حرية المرأة .
2 - شعارات القومية اليهودية :
- العودة إلى أرض الميعاد (فلسطين) .
- فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض .
- الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر .
- ضرب أي قوى عسكرية تمثل تهديداً - ولو بعيداً - لكِيَانهم المغتصِب .
- العناية باليهودي في كل مكان .
- السيطرة على مراكز اتخاذ القرارات في العالم ؛ لخدمة أهدافهم .
- إقامة صناعة حربية متقدمة بإدخال السلاح النووي في الصراع مع
العرب .
- تحسين صورة اليهود أمام العالم وتكثيف الدعاية ضد العرب
المتوحشين
الأشرار .
- إقامة الدعايات ضد النازية للزعم بأنها قتلت ستة ملايين يهودي في أفران
الغاز (المحرقة أو الهولوكُست) أثناء حكم هتلر ، والمطالبة بالتعويضات الباهظة
الدائمة من ألمانيا ، وكل مَن اعتدى عليهم ، كما يزعمون .
- البراءة من الصلب - المزعوم - للمسيح - عليه السلام - لتخفيف كراهية
النصارى لهم ، ولتجميع القوى ضد المسلمين .
- أن اليهود هم شعب الله المختار ، وكل الشعوب الأخرى خدم لهم (نظرية
نقاء النوع) .
- مَن يعاديهم أو يحاربهم فهو معادٍ للسامية ، ويجب محاسبته ، أو قتله .
- الأخلاق قيد لا معنى له .
ثالثاً : حصاد كل قومية :
إن الحصاد الذي جنته أمتنا من القومية العربية هو حصاد الهشيم ، حصاد
الدمار ، حصاد السراب ، حصاد التبعية والذل .
أما القومية اليهودية فقد أقامت لها دولة العلو والفساد ، وسيدمرها الله ، يقول-
تعالى - : ] فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا
خلال الديار وكان وعدا مفعولا [ [الإسراء : 5] .
1- حصاد القومية العربية :
- نشر الأفكار الإلحادية المناقضة للدين .
- تفرق الدول العربية ، بل الحرب الشديدة بين الدول التي أسسها الأفراد
أنفسهم (العراق وسورية) .
- ولاء للكافرين وبراء من المسلمين ومحاربتهم وقتلهم .
- إعلاء شأن اليهود والنصارى .
- عزل الإسلام عن المعركة ، بل محاربة أهله .
- الكبت والشيوعية والانفصال بين الدول المتحدة ظاهرياً وإجبارياً (مصر
وسورية) .
- تمكين الأعداء من بلاد المسلمين .
- الهزيمة الساحقة لقوة مصر في عام 1967م .
- احتلال سيناء والضفة الغربية (القدس) والجولان .
- الاستسلام للمخططات اليهودية .
- انتشار الأحقاد والعداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع والدول أيضاً بسبب
السياسات الشيوعية التي تحرض وتثير طبقات المجتمع بعضها ضد بعض .
- انتشار الرذيلة والدعارة بعد خروج النساء للعمل ، وشعور المرأة بالقهر
وانتهاك كرامتها في الخارج .
2 - حصاد القومية اليهودية :
- احتلال فلسطين .
- إقامة الجيش الإسرائيلي الذي استطاع إنهاك الجيوش العربية مراراً ؛
بسبب ضعف العرب لبعدهم عن الإسلام وإبعادهم له عن المعركة .
- تدمير المفاعل النووي العراقي ، وتهديد باكستان بضربها ، وتحريض الهند
الهندوسية عليها ؛ لإنهاك قوتها وإضعافها .
- السيطرة على مراكز اتخاذ القرارات في العالم ؛ لخدمة أهدافهم .
- إقامة صناعة حربية متقدمة بإدخال السلاح النووي في الصراع مع العرب .
- تحسين صورة اليهود أمام العالم وتكثيف الدعاية ضد العرب المتوحشين
الأشرار .
- الحصول على التعويضات الباهظة الدائمة من ألمانيا ، وكل مَن اعتدى
عليهم ، كما يزعمون ، ومحاربة من يشكُّون فيه (الرئيس النمساوي والأمين العام
للأمم المتحدة كورت فالدهايم - والمفكر الفرنسي رجاء غارودي) ، بل قتل واعتقال
مَن يشكون فيه .
- الحصول على براءة من الصلب المزعوم للمسيح - عليه السلام - من
الفاتيكان ، وهي كبرى هيئات التنصير الكاثوليكي في العالم .
14 - بث الرعب في معارضي مؤامراتهم على العالم .
- سيطرة أندية وروابط سرية كالماسونية وأذرعها الهدامة (روتاري وليونز
.. الخ) .
وما ذلك الحصاد المُرّ إلا لأن المسلمين قد تناسوا أن ( للأمة الإسلامية أربعة
أبعاد لا ينفصل أحدها عن الآخر :
بُعد عقَدي : وهو الأصل والمعيار ؛ فكل المسلمين أمة واحدة .
بعد إقليمي : فكل الأرض التي سرت عليها أحكام الإسلام يوماً مَّا هي أرض
الأمة الإسلامية ، وعلى المسلمين أن يعيدوا ما سُلب منهم ، وإلا أثموا جميعاً حتى
تعود .
بعد شخصي : فكل مَن دخل الإسلام - أياً كان مكانه على أرض الله - صار
من أبناء الأمة الإسلامية ، دون نظر لجنس أو عرق أو لون ، ودون نظر لعقيدته
السابقة على دخوله الإسلام ، أو موطنه السابق .
بعد تاريخي : يفيد استمرارية وجود هذه الأمة - دون انقطاع - في كل
عصور التاريخ البشري ، يقول الحق - جل شأنه - : ] شرع لكم من الدين ما
وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن
أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه [ [الشورى : 13] .
ويصف الله - تعالى - الأنبياء ومن اتبعهم من لدن نوح - عليه السلام -
حتى بُعث محمد خاتم الأنبياء والمرسلين - عليه الصلاة والسلام -
بوصف الأمة الواحدة ، فيقول : ] إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون [
[الأنبياء : 92] [12] .
من أجل ذلك شاء الله - جلت قدرته - أن يعود الكثير من أبناء الأمة إلى
دينهم ، ويبدؤوا المسيرة المباركة من جديد ؛ لكي يسودوا العالم بحكم الإسلام
ورحمته وعدله ] ويومئذ يفرح المؤمنون . بنصر الله ينصر من يشاء وهو
العزيز الرحيم . وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون [
[الروم : 4 - 6] .
________________________
(1) القاموس المحيط ، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ، مكبتة مصطفى البابي الحلبي ،
القاهرة ، عام 1317هـ/ 1925م ، ط2 ، 4/169 .
(2) قاموس المورد ، منبر البعلبكي ، دار العلم للملايين ، بيروت ، عام 1993م .
(3) الشركات عابرة القومية ومستقل الظاهرة القومية ، د محمد السيد سعيد ، سلسلة ( عالم
المعرفة )، وقم 107 ، الكويت ، عام 1407هـ /1968م ، ص 103 .
(4) المرجع السابق ، ص127 ، نقلا عن القومية في التاريخ والسياسة ، فردريك هرنز ، المؤسسة
العربية العامة للتأليف والنشر ، القاهرة ، ب ت ، ص 19 .
(5) الموسوعة الميسرة ، مرجع سابق ، ص401 .
(6) مرجع سابق ، ص401 ، 406 .
(7) الموسوعة الميسرة ، ص331 .
(
مرجع سابق ، ص659 75 .
(9) الاستيطان الأجنبي في الوطن العربي ، سلسلة ( عالم المعرفة ) ، رقم 71 ، الكويت ، محرم _
صفر عام 1404هـ ، ص 107 ، نقل عن الملخص لكتاب العرب واليهود في التاريخ لجعفر
الخليلي ، بغداد ، عام 1997م ، ط2 ، ص 108 .
(10) يهوه : هو اسم الإله عندهم .
(11) الموسوعة الميسرة ، مرجع سابق ، ص332 337 ، وذلك نقلا عن كتاب بروتوكولات
( حكماء ) صهيون وغيره ، ويعمل اليهود - دائما- على زرع الشك من نسبة تلك البروتوكولات
إليهم ، فمنهم من يؤكدها ، ومنهم من ينفيها ، ولكن الواقع يؤكدها .
(12) كيف نفكر استراتيجيا ؟ اللواء_أركان حرب_ الدكتور فوزي محمد طايل ، مركز الإعلام العربي ،
الهرم ، مصر ، عام 1418هـ ، ص134- 135 .