هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ الجزء الثاالث (الحل )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
همام(فارس الإسلام)
مشرف
مشرف
همام(فارس الإسلام)


عدد الرسائل : 167
تاريخ التسجيل : 21/11/2007

ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ الجزء الثاالث (الحل ) Empty
مُساهمةموضوع: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ الجزء الثاالث (الحل )   ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ الجزء الثاالث (الحل ) I_icon_minitimeالخميس أكتوبر 16, 2008 12:48 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

الحل أو العلاج: نهضة العالم الإسلامي وقيادته للعالم



ليست مشكلة العالم الإسلامي اليوم حتى يعود إلى هيمنته على العالم وتأثيره فيه وقيادته في عدم الدعوة للإسلام بين المسلمين ولا في اكتساب مسلمين جدد، وإنما المشكلة في انصراف المسلمين عن الإسلام واتجاههم إلى أعدائهم وما عندهم من ثقافة وفكر وتوجهات وعادات, حتى فقد المسلمون الثقة بأنفسهم وارتضوا لأنفسهم السير في المؤخرة.



ثم لابد أن نعلم أن الرسالات انتهت أو ختمت بالإسلام, وليس الحل بانتظار رسالة جديدة وإنما في التحرك بما حفظ لنا من كتاب وسنة فيها شريعة لا يشقى من عمل بها.



فالحل الوحيد هو تحول القيادة العالمية وانتقال دفة الحياة من اليد الأثيمة الخرقاء التي أساءت استعمالها إلى يد أخرى بريئة حاذقة.. إن التحول المؤثر الواضح هو تحول من العالم الذي تقوده المادية والجاهلية إلى العالم الإسلامي الذي يقوده برسالته الخالدة ودينه الحكيم.



وإن حقًا على كل مسلم أن يجاهد في سبيل قيادة العالم ويبذل ما في وسعه، فهذه هي المهمة الشريفة التي نيطت بالأمة الإسلامية يوم برزت إلى عالم الوجود, ويوم ظهرت نواتها في جزيرة العرب، نعم.. وليست مهمة هذه الأمة أن تتبع غيرها.. ومن الغريب الواقع أن المسلمين قد أصبحوا في الزمن الأخير في كثير من نواحي الأرض حتى في مراكز الإسلام وعواصمه حلفاء للجاهلية الأوروبية وجنودًا متطوعين لها، بل صار في بعض الشعوب والدول الإسلامية من يرى في أوروبا أو الغرب ناصرًا للمسلمين، حاميًا للإسلام المستضعف، حاملاً لراية العدل في العالم قوَّامًا بالقسط. ولكن رغم كل ما أصيب به المسلمون من علة وضعف فإنهم هم الأمة الوحيدة على وجه الأرض التي تعد خصيم الأمم الغربية وغريمتها ومنافستها في قيادة الأمم.



ولكن كيف ينهض العالم الإسلامي ويتبوأ مكان القيادة في العالم؟!



إن ذلك لا يكون إلا برسالته التي وكلها إليه مؤسِّسُه صلى الله عليه وسلم، وهي نفس الرسالة التي حملها المسلمون في فتوحهم الأولى: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام". ولا يزال الناس اليوم عاكفين على أصنام لهم ـ من أوثان منحوتة ومنجورة ومقبورة ومنصوبة ـ ولا تزال عبادة الله وحده مغلوبة غريبة، ولا تزال الفتنة قائمة على قدم وساق، ولا يزال إله الهوى يعبد، ولا يزال الأحبار والرهبان والملوك والسلاطين وأصحاب القوة والثروة والزعماء والأحزاب السياسية أربابًا من دون الله تقرب لها القرابين وينصب لها الجبين.



وكذلك العالم اليوم ـ رغم اتساعه وتوفر وسائل السفر والانتقال من مكان إلى مكان واتصال الشعوب والأمم بعضها ببعض ـ أضيق بأهله منه بالأمس، فأصبحت المدن الواسعة أضيق من جحر ضب، وأصبح الناس في بلادهم في شبه حجر كحجر السفيه واليتيم، وضاقت على الناس الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم, وأصبح الناس في أغلال وأصفاد لأسباب كثيرة.. صراع المادة.. وطأة الاستبداد والإرهاب والظلم.. تهديد الحروب والمجاعات المصطنعة... إلخ.



نعم، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام!! ولاتزال في هذا العصر (المتنوّر) الراقي المثقف أديان تعبث بعقول الناس وتسخرهم كالحمير والبقر. وهناك أديان بغير اسم الأديان لا تقل في نفوذها وسلطانها ولا تقل في جورها وعدوانها وقسوتها وعبثها بعقول أتباعها وفي عجائبها عن الأديان القديمة. وهي النظم السياسية والنظريات الاقتصادية التي يؤمن بها الناس كدين ورسالة؛ كالجنسية والوطنية، والديمقراطية والاشتراكية والدكتاتورية، والشيوعية.



ولكن العالم الإسلامي لا يؤدي رسالته بالمظاهر المدنية التي جادت بها أوروبا على العالم وبحذق لغتها وتقليد أساليب الحياة التي ليست من نهضة الأمم في شيء، إنما يؤدي رسالته بالروح والقوة المعنوية ـ التي تزداد أوروبا كل يوم إفلاسًا فيها ـ وينتصر بالإيمان والاستهانة بالحياة والعزوف عن الشهوات، والثقة بهذا الدين والغيرة عليه والاعتزاز به، والشوق إلى الشهادة والحنين إلى الجنة، والزهد في حطام الدنيا وتحمل الأذى في ذات الله صابرًا محتسبًا.. تلك المعاني العظيمة الغائبة عن جمهور المسلمين الذين يضربون ويضرب دينهم ويحل بهم الحادث من الحوادث الذي يتصور أن المسلمين من أجله ستقوم قيامتهم, وسوف يهرعون للدفاع عن الإسلام وحماية بلادهم المقدسة ويغضبون لله ورسوله وحرماته, وأن الأقطار الإسلامية ستشتعل نارًا وتتوقد حمية حماسة، فإذا الحادث لم يؤثر في العالم الإسلامي التأثير المنتظر, وإذا النظر ضئيل والسخط خافت، وإذا العالم الإسلامي كعادته في غدواته وروحاته منهمك في لذاته وشهواته كأن لم يحدث كبير شيء، فعرف أن الحمية الدينية قد ضعفت في العالم الإسلامي, وأن شعلة الجهاد قد انطفأت أو كادت، فتجاسر الأعداء على تنفيذ المزيد من مخططاتهم.



وإن التحول المنشود لن يأتي في يوم وليلة، ولكنها خطوة تتبعها خطوات.. إن هذا الإسلام لا يصلح اليوم إلا بما صلح به بالأمس، إيمان يخالط شغاف قلب المؤمن، واستعذاب للتضحية في سبيله بالمال والنفس، اعتزاز بما جاء به من تشريعات ومبادئ صالحة لإنهاض العالم وسعادته، ودعوة بالعمل الصالح والقوى الطيبة، وحكم وقضاء به في كل جوانب الحياة.



فإذا أردنا أن نأخذ مكاننا من جديد فلابد أن نعتقد أن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار ويساير الركب البشري حيث سار، بل خلق ليوجه العالم ويفرض على البشرية اتجاهه، فمقامه مقام الإمامة والقيادة لا مقام التقليد والتبعية..



فالخطوة الأولى حتى نخرج أنفسنا والعالم من ورائنا من تلك الحمأة التي ارتكس فيها ومن ذلك المنحدر هي: إعادة الثقة بديننا حتى يكون أساس حياتنا أفرادًا ومجتمعات.. وسيكون تأثر العالم وإيمان الناس بهذا الدين بالقدوة الطيبة الصالحة نقدمها للعالم أجمع في صورة المجتمع المسلم المُمَكَّن.



ومن ثم فلابد أن نجعل همنا تربية النشء على أسس إسلامية صحيحة تحقق الاعتقاد بأن مكاننا مكان الإمامة والقيادة، وتكون الغاية من التربية والتعليم عندنا النهضة بالعالم الإسلامي حتى يصل إلى هذا المكان أو ذلك المقام مقام الإمامة والقيادة للعالم البشري كله.



وهذه التربية لن تسير بالأفراد في نزهة, وليست قضية سهلة, بل قد يخسرون كثيرًا من الدنيا ويبتلون ويتحملون.. فلابد له من روح عالية.. إذ لن يستطيع المسلم أن يحارب الصهيونية أو الشيوعية أو عدوًا آخر إلا بالروح التي حارب بها الدولة الرومية والإمبراطورية الفارسية في ساعة واحدة فانتصر عليها جميعًا.. إنه لا يستطيع أن يحارب أعداءه بقلب يحب الحياة ويكره الموت ولا يريد أن يخسر شيئًا من دنياه أو أن يمسه أدنى ضر، فلابد أن يقوم في كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي بل في كل أسرة إسلامية في كل بلد إسلامي {فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً} هنالك تتجدد ذكرى بلال وعمار وخباب وخبيب وصهيب ومصعب بن عمير وعثمان بن مظعون وأنس بن النضر، هنالك تفوح روائح الجنة وتهب نفحات القرن الأول, ويولد للإسلام عالم جديد لا يشبه العالم القديم في شيء.. وكل ذلك يبدأ بأمثال أولئك الأفراد الذين تربوا ليعيشوا للإسلام ولو فقدوا كل ما لديهم من الدنيا..



لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغت شقاوة الإنسانية غايةً ما وراءها غاية، وكانت قضية الإنسانية أعظم من أن يقوم لها أفراد متنعمون لا يتعرضون لخطر ولا لخسارة ولا محنة.. وآمن به رجال من قريش في مكة, فاضطربت حياتهم الاقتصادية اضطرابًا عظيمًا، وكسدت تجاراتهم, وحرم بعضهم رأس ماله الذي جمعه في حياته الاقتصادية، وحرم بعضهم أسباب الترف والرخاء وأناقة اللباس التي كان فيها مضرب المثل، وكسدت تجارة بعضهم لاشتغاله بالدعوة وانصراف الزبائن عنه، وحرم بعضهم نصيبه في ثروة أبيه.. ثم لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وتبعه الأنصار تأثرت بذلك بساتينهم ومزارعهم, فلما أرادوا أن يقبلوا عليها بعض الوقت ويصلحوها لم يسمح لهم بذلك وأنذرهم الله به فقال: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ...}.



وهكذا كان شأن الذين احتضنوا هذه الدعوة منهم، فقد كان نصيبهم من متاعب الجهاد وخسائر النفوس والأموال أعظم من نصيب أي أمة في العالم, وقد خاطبهم الله بقوله: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}, وقال: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ}؛ لأن سعادة البشرية إنما كانت تتوقف على ما يقدمونه من تضحية وإيثار وما يتحملون من خسائر ونكبات فقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ}، وقال: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} وكان إحجام العرب عن هذه المكرمة وترددهم في ذلك امتدادًا لشقاء الإنسانية واستمرارًا للأوضاع السيئة في العالم فقال: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}.



وقد استدار الزمان كهيئته يوم بعث الرسول صلى الله عليه وسلم, ووقف العالم على مفترق الطرق مرة ثانية، إما أن يتقدم أبناء الإسلام إلى الميدان ويغامروا بأنفسهم وإمكانياتهم ومطامحهم ويخاطروا فيما هم فيه من رخاء أو ثراء أو دنيا واسعة أو فرص متاحة للعيش وأسباب ميسورة, فينهض العالم من عثاره, وتتبدل الأرض غير الأرض، وإما أن يستمروا فيما هم فيه من طمع وطموح، وتنافس في الوظائف والرواتب, وتفكر في كثرة الدخل والإيراد وزيادة غلة الأملاك وربح التجارات، والحصول على أسباب الترف والتنعم ونيل الشهوات, فيبقى العالم في هذا المستنقع الذي يتردى فيه منذ قرون.



ومن الحقائق المؤلمة أن الشعوب الإسلامية وخاصة العربية قد فقدت كثيرًا من خصائصها المميزة الجهادية، ورزئت في فروسيتها التي كانت معروفة بها في العالم, فكانت رزيئة كبيرة وخسارة فادحة، وكانت سببًا من أسباب ضعفها وعجزها في ميدان الجهاد، فقد اضمحلت الروح الجهادية، وضعفت الأجسام, ونشأ الناس على التنعم، وهجروا حياة الفروسية والخشونة والبساطة في المعيشة والجلادة وتحمل المشاق والمتاعب والصبر على المكروه، واستبدلوا بها ألعابًا تافهة لا تفيدهم شيئًا.. وقديمًا كتب المربي الكبير أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى بعض عمالة العرب وهم في بلاد العجم: وإياكم والتنعم وزي العجم، وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب، وتمعددوا([1])، واخشوشنوا([2])، واخشوشبوا([3])، واخلولقوا([4])، وأعطوا الركب أسنتها، وانزوا نزوًا وارموا الأغراض. رواه البغوي عن أبي عثمان النهدي.



ومن واجب رجال التربية أن يحاربوا بكل قوتهم ما يضعف روح الرجولة والجلادة ويبعث على التخنث والعجز. ولقد اعتدنا لأسباب كثيرة ـ أو قل بتأثير الحضارة الغربية ـ حياة الترف والدعة والاعتداد الزائد بالكماليات وفضول الحياة والإسراف والتبذير والاستهانة بمال الله في سبيل اللذة والشهوة والفخر والزينة.



ومع تربية تلك العناصر الصلبة الاجتهاد في غرس الإيمان في قلوب المسلمين عامة وإشعال العاطفة الدينية، ونشر الدعوة إلى الله ورسوله، والإيمان بالآخرة على منهاج الدعوة الإسلامية الأولى، لا يدخر في ذلك وسعًا, وتستخدم لذلك جميع الوسائل القديمة والحديثة، وطرق النشر والتعليم؛ كتجوال الدعاة في القرى والمدن، وتنظيم الخطب والدروس، ونشر الكتب والمقالات, ومدارسة كتب السيرة وأخبار الصحابة وكتب المغازي والفتوح الإسلامية وأخبار أبطال الإسلام وشهدائه, ومذاكرة أبواب الجهاد وفضائل الشهداء.



والقرآن وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم قوتان عظيمتان تستطيعان أن تشعلا في العالم الإسلامي نار الحماسة والإيمان، وتحدثا في كل وقت ثورة عظيمة على العصر الجاهلي، وتجعلا من أمة مستسلمة منخذلة ناعسة أمة فتية ملتهبة حماسة وغيرة وحنقًا على الجاهلية وسخطًا على النظم الجائرة، فإن علّة العالم الإسلامي اليوم هي الرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان بها والارتياح إلى الأوضاع الفاسدة والهدوء الزائد في الحياة, فلا يقلقه فساد ولا يزعجه انحراف، ولا يهيجه منكر، ولا يهمه غير مسائل الطعام واللباس، ولكن بتأثير القرآن والسيرة النبوية ـ إن وجد إلى القلب سبيلاً ـ يحدث صراع بين الإيمان والنفاق، واليقين والشك، بين المنافع العاجلة والدار الآخرة، وبين راحة الجسم ونعيم القلب، وبين حياة البطالة وموت الشهادة، صراع أحدثه كل نبي في وقته، ولا يصلح العالم إلا به.



وبعد التربية وغرس الإيمان في القلوب لابد من إيجاد الوعي في الأمة، فإن الشعوب الإسلامية والبلاد العربية مع الأسف ضعيفة الوعي إذا تحرّجنا أن نقول: فاقدة الوعي، فهي لا تعرف صديقها من عدوها، ولا تزال تعاملهما معاملة سواءً, أو تعامل العدو أحسن مما تعامل الصديق الناصح، وقد يكون الصديق في تعب وجهاد معها طول حياته بخلاف العدو، ولا تزال تُلدغ بجحر واحد ألف مرة ولا تعتبر بالحوادث والتجارب، وهي ضعيفة الذاكرة وسريعة النسيان، تنسى ماضي الزعماء والقادة, وتنسى الحوادث القريبة والبعيدة, وهي ضعيفة في الوعي الديني والوعي الاجتماعي, وأضعف في الوعي السياسي، وذلك ما جرّ عليها ويلاً عظيمًا وشقاء كبيرًا وسلط عليها القادة الزائفين وفضحها في كل معركة، فمن أعظم ما تخدم به هذه الأمة وتؤمن من المهازل والمآسي التي لا تكاد تنتهي هو إيجاد الوعي في طبقاتها ودهمائها, وتوعية الجماهير دينيًا وعقليًا ـ لتعرف كيف تفكر ـ واجتماعيًا وسياسيًا.



ثم بعد التربية والدعوة، وإيجاد الوعي، امتلاك القوى المختلفة العلمية والصناعية والقتالية وعدم الانتهاء إلى ما عند الغرب, بل الاتجاه للإبداع الذي يساعد عليه شعور المسلم بالتحيز وثقته بنفسه ودينه، كما ينبغي أن يتبوأ أبناء الإسلام الزعامة في العلم والتحقيق تلك الزعامة التي تنازل عنها العالم الإسلامي ـ بما فيه العالم العربي ـ منذ زمن طويل، وترك مكانته في القيادة العلمية والتوجيه والاستقلال الفكري، وأصبح عيالاً على الغرب متطفلاً على مائدته حتى في اللغة العربية وآداب اللغة وعلومها, وحتى في علوم الدين كالتفسير والحديث والفقه، وأصبح المستشرقون هم المرشدين الموجهين في البحث والتحقيق والدارسة والتأليف، وهم المنتهى والمرجع والحجة في الآراء الإسلامية والنظريات العلمية والتاريخية والنفسية، بل ينبغي أن يتوجه رواد العلم والتحقيق والدراسات العالمية إلى حواضر العالم الإسلامي, كما اعتادوا أن يتوجهوا إلى عواصم أوروبا وأمريكا، فالمدن الإسلامية أولى أن تكون مركزًا للثقافة والعلوم والآداب من العواصم الأوروبية.



وبالتربية والوعي والقوة يمكن إقامة المجتمع المسلم الذي يأسر الناس بانتصاراته وبواقعه وبالقدوة, كما بهر صلاح الدين أعداءه وأثرت فيهم انتصاراته وبطولاته وأخلاقه، ففي عام 1185م ترك النصرانية فارس إنجليزي من فرسان المعبد يدعى روبرت ألبانس واعتنق الإسلام, ثم تزوج بعد ذلك إحدى حفيدات صلاح الدين, وبعدها بسنتين حين غزا صلاح الدين فلسطين وهزم النصارى في حطين ودفع ملك بيت المقدس في الأسر بين الأسرى حدث في مساء المعركة أن ترك الملك ستة من فرسانه وفروا إلى معسكر صلاح بمحض إرادتهم.



وأما في واقعنا فقد لمسنا بأنفسنا جميعًا كم اتخذت أوروبا ـ بل العالم ـ من فشل المسلمين عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا دليلاً حاسمـًا على عدم صلاح الإسلام لقيادة المسلمين, بل العالم كله، بينما كان النصارى يتزحزحون عن نصرانيتهم يوم كانت سيوف المسلمين تحرز نجاحًا منقطع النظير، ويعتبرون تلك النجاحات، من براهين صدق دين المسلمين, وأنهم عباد الله المصطفون الذين يتنزل عليهم النصر.



وبعد أن اتضحت الخطوات في طريق النهضة يبقى أن نؤكد أن تلك الخطوات أكثر وجوبًا على العرب من غيرهم؛ لأنهم محل احترام واتباع وولاء ومحبة وتوجه واقتداء جميع المسلمين، ولأن له أهمية كبيرة في خريطة العالم السياسية، ولو تهيأت له قيادة إسلامية لأذل عالم الكفر بإيمانه أولاً، ثم لأنه يحتضن منابع الثروة والقوة الكبرى (الذهب الأسود) الذي هو دم الجسم الصناعي والحربي اليوم، ولأنه صلة بين أوروبا وأمريكا وبين الشرق الأقصى، ولأنه قلب العالم، ولأن فيه الأيدي العاملة والعقول المفكرة والأجسام المقاتلة والأسواق التجارية والأراضي الزراعية.



فالمسلمون عندهم قوة في دينهم وقوة في واقعهم يقودون بها العالم، ولكنهم لا يعلمون.



فعسى الله أن يبصرهم بمنابع القوة وبدورهم ورسالتهم.. إنه على كل شيء قدير.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ الجزء الثاالث (الحل )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ الجزء الأول
» ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ الجزء الثانى
» أمتنا ومرحلة الغثائية ! ما الحل؟؟؟
» رسالة كتير قريناها (لا تقل إنشا الله) .. فهل هذا الحل ؟
» يحترق القلب ويتمزق الفؤاد وهنا الحل!!!!!!!

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتديات العامة :: الـملـتـقى الــعــام-
انتقل الى: